للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول في الاستدلال

قد ذكرنا أن الاستدلال طلب الحكم بالاستدلال بمعانى النصوص وقيل: أنه استخراج الحق وتمييزه من الباطل ذكرهما أبو الحسن الماوردى وقيل: إنه معنى مشعر بالحكم المطلوب مناسب له فيما يقتضيه الفكر العقلى من غير وجدان أصل متفق عليه١.

واختلفوا في هذا فذهب جماعة إلى رد الاستدلال وقالوا: لا يجوز أن يكون المعنى دليلا حتى يستند إلى أصل وذكره القاضى أبى بكر وجماعة من المتكلمين وأما الذى يدل عليه مذهب الشافعى رحمة الله عليه هو كون الاستدلال حجة وإن لم يستند إلى أصل ولكن من شرط قربه من معانى الأصول المعهودة المألوفة في الشرع وقد ذهب طائفة من أصحاب أبى حنيفة إلى جواز الاستدلال وإن لم يستند إلى حكم متفق عليه في أصل وشرح ذلك أن يكون الثابت مصالح شبيه بالمصالح الثابته في أصول الشرع غير خارجة عنها وأفرط مالك في جواز القول بالاستدلال٢ وجوز مصالح بعيدة عن المصالح المعهودة والأحكام المعروفة في الشرع وحكى عنه جواز القتل وأخذ المال بمصالح يقتضيها غالب الظن وإن لم يوجد لتلك المصالح مستندا إلى أصول وربما يقول أصحاب مالك يجوز اتباع وجوه المصالح والاستصواب قربت عن موارد النصوص أو بعدت إذا لم يصدمها أصل من الأصول الثلاثة الكتاب والسنة والإجماع واحتج من نفى الاستدلال على وجه القياس بأن الدلائل محصورة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة والقياس على أحدها والاستدلال الذى يذكرونه خارج عن هذه الأقسام ومن هذه الدلائل أجمع قد يصح أن يكون دليلا قال القاضى أبو بكر: إن المعانى إذا حصرتها الأصول وضبطتها المنصوصات كانت منحصرة في ضبط الشرع وإذا لم يشترط استنادها إلى الأصول لم تنضبط واتسع الأمر وصار الشرع مرجوعه إلى وجود الرأى من الناس من غير اعتماد واستناد إلى أصل شرعى فيرى كل إنسان وجها ويعتمد شيئا سوى ما يراه ويعتمد صاحبه ويصير إذا أهل الرأى في هذا بمنزلة الأشياء فيفعل كل إنسان ما يراه ويعتقده صلاحا في المعنى الذى سنح له فيصير ذلك ذريعة إلى أبطال أبهة الشروع


١ انظر البرهان "٢/١١١٣" إحكام الأحكام "٢/١٦١".
٢ انظر البرهان "٢/١١١٣, ١١١٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>