للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث التاسع: بيان الطاغوت الذي أوجب الله على عباده أن يجتنبوه]

لقد ورد في هذه السورة المدح والثناء الحسن لمن اجتنب عبادة الطاغوت وتوجه بالعبادة الخالصة لربه ـ جل وعلا ـ فأفرده بها وحده لا شريك له. قال تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} .

هاتان الآيتان من السورة فيهما الثناء الحسن للذين اجتنبوا عبادة الأصنام وتفانوا في عبادة الملك العلام، وكفروا بعبادة الطاغوت الذي عبده الجاهلون بالباطل زوراً وبهتاناً، والمقصود بالطاغوت هنا هو عبادة غير الله ـ تعالى ـ فمدحهم الله وأثنى عليهم باجتنابهم عبادة الطاغوت وإقبالهم بكليتهم على عبادة الله وحده وإخلاص الدين له دون غيره، وأقلعوا عن الشرك والمعاصي إلى إخلاص التوحيد والطاعات لربهم وخالقهم ـ سبحانه وتعالى ـ.

وقيل المقصود بالطاغوت الشيطان ذكره ابن جرير عن السدي ومجاهد وابن زيد١ والذي يظهر أن المراد بالطاغوت في الآية كل معبود من دون الله والنصيب الأكبر من ذلك للشيطان لأنه رأس كل ضلالة كما قال ـ تعالى ـ: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} ٢.

وقد ذكر الله الجزاء الذي ينتظر عباد الله الموحدين وهو أن لهم البشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن ويكلؤهم الله بعنايته ويوفقهم للأعمال الصالحة التي يشاهدون من


١- جامع البيان ٢٣/٢٠٦.
٢- سورة يس آية: ٦٠.

<<  <   >  >>