للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عبد الله نديم]

وهو ممن اتصل بجمال الدين، ولكنه قبل أن يربط سببه بأسبابه كان يتحرق شوقًا لخدمة وطنه، ولكنه كان يخشى بأس الأمراء، وغضب الوزراء، وحين رأى جمال الدين يشجع الشباب على بيان مثالب الحكومة، وسفه إسماعيل مال إليه، ونهج منهج تلاميذه في الصيال والجيال، والنضال مع ما أوتيه من لسان ذرب، وبديهة مواتية، وذكاء لماح، وتمكن من زمام اللغة، ويقول في مذكراته واصفًا حاله قبل الثورة العرابية: "هذا وقد كنت قبل ظهور هذه الحركة إلى الوجود، وترقى الحزب العسكري إلى مراقي السعود، أصرف نفيس الوقت مفكرًا فيما يجلبه الحكام من المقت، وأكتب الكثير من الوقائع، وأقيد اللطائف والفظائع، وأنكر على أهل البلاد وقوفهم تحت ردم الاستبداد، وكلما نبهت عاقلًا أكستني فإن ألححت عليه بكتني، فلم أجد طريقًا لتنبيه الوجهاء والأمراء إلا بعصبية أكونها من الفقراء، فأخذت في تأسيس الجمعية الإسلامية، بوطني العزيز الإسكندرية، فاجتمع إلي أحد عشر رجلًا، وأخذت في إذاعتها عجلًا، وبعد جهد وعناء طويل، تم افتتاحها في عهد الخديوي إسماعيل".

ثم يقول: "وكان سبقني إلى تشجيع الخائفين الشيخ محمد جمال الدين، فإنه ألف حزبًا من الشبان، وجمع إليه بعضًا من الأعيان، وبث فيهم روح الغيرة الوطنية، وملأ آذانهم بالمفاخر الشرقية، فتبع بحثه أذكياء ونبلاء وانتفع بعلومه أساتذة فضلاء.... ولما آل الأمر إلىا لخديوي توفيق، وترأس رياض باشا كان أول ما بدأ به من العمل مصادرة هذا الرجل، ورماه بفساد الدين، وجعله من كبار الملحدين، وأرسل إليه من تبعه واقتفاء، ثم قبض عليه ونفاه، ومع ما اعترى جمال الدين من النحوس، فإنه أثر في كثير من النفوس وكان ممن انضم إليه وأكثر من الجامعة عليه صحيح المباني، والمعاني إبراهيم أفندي علي اللقاني، فاتخذ معه بلا فرق، وفتح جريدة مرآة الشرق، فكانت أول جريدة مصرية، بعد الجريدة الرسمية لم يسبقه إلى هذا العميل الجميل إلا محمد أبو السعود بجريدة وادي النيل، ولكن هيهات بين الحرية والرق، والباطل والحق، ولما أجفلت الخديوي إسماعيل بما فيها من التهويل، فصبر وأغفلها ثم انزعج وأقفلها".

ويمضي عبد الله نديم في مذكراته يسوق الحديث عن تلاميذ جمال الدين وكيف كان يتفق معهم في المشرب، ويشترك في تحرير صحيفتهم من غير توقيع، خوفًا من بطش رياض.

<<  <   >  >>