للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فَصْلٌ الْجَمْعُ قِسْمَانِ]

(فَصْلٌ) الْجَمْعُ قِسْمَانِ جَمْعُ قِلَّةٍ وَجَمْعُ كَثْرَةٍ فَجَمْعُ الْقِلَّةِ قِيلَ خَمْسَةُ أَبْنِيَةٍ جُمِعَتْ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا فِي قَوْلِهِمْ

بِأَفْعَلَ وَبِأَفْعَالٍ وَأُفْعُلَةٍ ... وَفِعْلَةٍ يُعْرَفُ الْأَدْنَى مِنْ الْعَدَدِ

وَالْخَامِسُ جَمْعُ السَّلَامَةِ مُذَكَّرُهُ وَمُؤَنَّثُهُ وَيُقَالُ إنَّهُ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ السَّرَّاجِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ مِنْ بَعْدُ وَعَلَيْهِ قَوْلُ حَسَّانَ

لَنَا الْجَفَنَاتُ الْغُرُّ يَلْمَعْنَ فِي الضُّحَى ... وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمًا

وَيُحْكَى أَنَّ النَّابِغَةَ لَمَّا سَمِعَ الْبَيْتَ قَالَ لِحَسَّانَ قَلَّلْتَ جِفَانَكَ وَسُيُوفَكَ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى أَنَّ جَمْعَيْ السَّلَامَةِ كَثْرَةٌ قَالُوا وَلَمْ يَثْبُتْ النَّقْلُ عَنْ النَّابِغَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَالشَّاعِرُ وَضَعَ أَحَدَ الْجَمْعَيْنِ مَوْضِعَ الْآخَرِ لِلضَّرُورَةِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّقْلِيلَ وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَيْثُ السَّمَاعُ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ كُلُّ اسْمٍ مُؤَنَّثٍ يُجْمَعُ بِالْأَلِفِ وَالتَّاءِ فَهُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ نَحْوُ الْهِنْدَاتِ وَالزَّيْنَبَاتِ وَرُبَّمَا كَانَ لِلْكَثِيرِ وَأَنْشَدَ بَيْتَ حَسَّانَ.

وَقَالَ ابْنُ خَرُوفٍ جَمْعَا السَّلَامَةِ مُشْتَرِكَانِ بَيْنِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] الْمُرَادُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهِيَ قَلِيلٌ.

وَقَالَ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣] {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ١٨٤] وَهَذِهِ كَثِيرَةٌ وَقِيلَ اسْمُ الْجِنْسِ وَهُوَ مَا بَيْنَ وَاحِدِهِ وَجَمْعِهِ الْهَاءُ، وَكَذَلِكَ اسْمُ الْجَمْعِ نَحْوُ قَوْمٍ وَرَهْطٍ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ وَبَعْضُهُمْ يُسْقِطُ فِعْلَةً مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَنْقَاسُ وَلَا تُوجَدُ إلَّا فِي أَلْفَاظٍ قَلِيلَةٍ نَحْوُ غِلْمَةٍ وَصِبْيَةٍ وَفِتْيَةٍ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الِاسْمُ ثُلَاثِيًّا وَلَهُ صِيغَةُ الْجَمْعَيْنِ (١) فَأَمَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ نَحْوُ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ أَوْ ثُلَاثِيًّا وَلَيْسَ لَهُ إلَّا جَمْعٌ وَاحِدٌ نَحْوُ أَسْبَابٍ وَكُتُبٍ فَجَمْعُهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِأَنَّ صِيغَتَهُ قَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْجَمْعَيْنِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا وَلَا نَصَّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا مَجَازٌ فِي الْآخَرِ وَلَا وَجْهَ لِتَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ وَلِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا أُطْلِقَ فِيمَا لَهُ جَمْعٌ

⦗٦٩٦⦘ وَاحِدٌ نَحْوُ دَرَاهِمَ وَأَثْوَابٍ تَوَقَّفَ الذِّهْنُ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى يَحْسُنَ السُّؤَالُ عَنْ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَهَذَا مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ لَتَبَادَرَ الذِّهْنُ إلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ فَقَالُوا وَيُجْمَعُ فِعْلٌ عَلَى أَفْعُلٍ نَحْوُ رِجْلٍ تُجْمَعُ عَلَى أَرْجُلٍ وَيَكُونُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.

وَقَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: وَقَدْ يَجِيءُ أَفْعَالٌ فِي الْكَثْرَةِ قَالُوا قَتَبٌ وَأَقْتَابٌ وَرَسَنٌ وَأَرْسَانٌ وَالْمُرَادُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْكَثْرَةِ كَمَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْقِلَّةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ جَمْعَانِ نَحْوُ أَفْلُسٍ وَفُلُوسٍ فَهَهُنَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ وُضِعَ أَحَدُ الْجَمْعَيْنِ مَوْضِعَ الْآخَرِ وَأَمَّا مَالَهُ جَمْعٌ وَاحِدٌ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ لَهُ جَمْعَانِ وُضِعَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ بَلْ يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ هُنَا جَمْعُ قِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ ثُمَّ جَمْعُ الْقِلَّةِ (٢) مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ إلَى مَا فَوْقَهُ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجُمُوعِ مَا بُنِيَ لِلْأَقَلِّ مِنْ الْعَدَدِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ فَمَا دُونَهَا وَمِنْهَا مَا بُنِيَ لِلْكَثْرَةِ وَهُوَ مَا جَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَمِنْهَا مَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ بَابِهِ وَمِنْهَا مَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى بِنَاءِ الْقَلِيلِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَمِنْهَا مَا يُسْتَغْنَى فِيهِ بِالْكَثِيرِ عَنْ الْقَلِيلِ فَاَلَّذِي يُسْتَغْنَى فِيهِ بِبِنَاءِ الْأَقَلِّ عَنْ الْأَكْثَرِ نَجِدُهُ كَثِيرًا وَالِاسْتِغْنَاءُ بِالْكَثِيرِ عَنْ الْقَلِيلِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ شُسُوعٍ وَثَلَاثَةِ قُرُوءٍ قَالَ وَفَعْلٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ إذَا جَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَإِنَّهُ يَجِيءُ عَلَى فُعُولٍ نَحْوُ نَسْرٍ وَنُسُورٍ وَالْمُضَاعَفُ مِثْلُهُ قَالُوا صَكٌّ وَصُكُوكٌ وَبَنَاتُ الْوَاوِ وَالْيَاءِ كَذَلِكَ قَالُوا دُلِيٌّ وَثُدِيٌّ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الْكَثْرَةِ إذَا وَقَعَ تَمْيِيزًا لِلْعَدَدِ نَحْوُ خَمْسَةِ فُلُوسٍ وَثَلَاثَةِ قُرُوءٍ عَلَى بَابِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ وَضْعِ أَحَدِ الْجَمْعَيْنِ مَوْضِعَ الْآخَرِ بَلْ التَّقْدِيرُ خَمْسَةٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ قُرُوءٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يُجْمَعُ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا تُجْمَعُ أَصْنَافُهُ وَالْجَمْعُ يَكُونُ فِي الْأَعْيَانِ كَالزَّيْدِينَ وَفِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا كَالْأَرْطَابِ وَالْأَعْنَابِ وَالْأَلْبَانِ وَاللُّحُومِ وَفِي الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ كَالْعُلُومِ وَالظُّنُونِ.


(١) ممّا يجب التنبيه له أن الخلاف فى القلة والكثرة فيما تقدم من التكسير والتصحيح وأسماء الجموع واسم الجنس- حاصل عند تنكير ما ذكر- أمّا عند تعريفها بأل أو الإضافة فهى صالحة للأمرين على احتمال الجنسية أو الاستغراقية.
(٢) ما ذكره هو رأى الجمهور- واختار السعد أن مبدأ كل من الجمعين ثلاثة وانتهاء القلة عشرة ولا نهاية للكثرة.