للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم "ما من نبي يمرض إلا خُيّر بين الدنيا والآخرة": أي خيره الله تعالى بين الإقامة في الدنيا والموت؛ “لتكون وفادته على الله وفادة محب مخلص مبادر، ولتقاصُر المؤمن عن يقين النبي صلى الله عليه وسلم تولى الله الخيرة في لقائه؛ لأنه وليه، ألا ترى إلى خبر “ما ترددت في شيء ترددي في قبض روح عبدي المؤمن” ١، ففي ضمن ذلك اختيار الله للمؤمن لقاءه؛ لأنه وليه، يختار له فيما لا يصل إليه إدراكه ... ”٢.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: “إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله” قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خيّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوّة الإسلام ومودته، لا يبقيّن في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر” ٣.

قال ابن حجر: “فهم عائشة من قوله صلى الله عليه وسلم "في الرفيق الأعلى" أنه خيّر، نظير فهم أبيها رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم "إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده" أن العبد المراد هو النبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى”٤.

وقال بدر الدين العيني ت٨٥٥هـ: “قول (خُيّر) على صيغة المجهول: أي خيّر بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة صلى الله عليه وسلم “٥.


١ رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع ح٦٥٠٢.
٢ فيض القدير شرح الجامع الصغير ٥/٥٠١.
٣ رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "سدّو الأبواب إلا باب أبي بكر" ح٣٦٥٤.
٤ فتح الباري شرح صحيح البخاري ٧/١٣.
٥ عمدة القارئ شرح صحيح البخاري ١٨/١٧٨.

<<  <   >  >>