للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويباح التداوي بمباح (١) وتركه أفضل (٢) ويحرم بمحرم مأكول وغيره (٣) .


(١) إجماعًا، ولا يجب عند جمهور العلماء، ولو ظن نفعه، واختار القاضي وابن عقيل وابن الجوزي وغيرهم فعله، وفاقًا لأكثر الشافعية، وعند الحنفية أنه مؤكد، حتى يدانى به الوجوب، ومذهب مالك أن التداوي وتركه سواء.
(٢) هذا المشهور في المذهب، لخبر السبعين ألفًا يدخلون الجنة، ولأنه أقرب إلى التوكل، وجاءت الأحاديث بإثبات الأسباب والمسببات، والأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع ألم الجوع والعطش، قال الشيخ: ينبغي أن يعلق الرجاء بالله لا بمخلوق، ولا بقوة العبد ولا عمله، فإن تعليق الرجاء بغير الله شرك، وإن كان الله جعل لها أسبابًا، فالسبب لا يستقل بنفسه، بل لا بد له من معاون، ولهذا قيل: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل، والقدح في الأسباب بالكلية قدح في الشرع.
(٣) وهو مذهب جماهير العلماء، لما في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها» ورواه ابن حبان وغيره مرفوعًا، ولأبي داود وغيره عن أبي هريرة مرفوعًا «إن الله أنزل الدواء وأنزل الداء، وجعل لكل داء دواء، ولا تداووا بحرام» ولأحمد والترمذي وغيرهما عنه: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدواء بالخبيث. وفي صحيح مسلم وغيره في الخمر «إنه ليس بدواء ولكنه داء» فهي أم الخبائث، وحسم الشارع عن قربانها، حتى في تناولها على وجه التداوي.
ويحرم التداوي بـ «سم» ، لقوله {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وفي بعض ألفاظ حديث النهي عن الدواء بالخبيث: يعني السم. فإن كان الداء مسمومًا، وغلبت منه السلامة، ورجي نفعه أبيح، لدفع ما هو أعظم منه، كغيره من الأدوية، وكذا نبات فيه سمية إن غلبت السلامة مع استعماله، ويدخل فيما تقدم ترياق فيه لحوم حيات، أو خمر أو ضفدع، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الضفدع لذلك، وكتب عمر إلى خالد بن الوليد، وكان قد بلغه أنه يتدلك بالخمر، فقال: إن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنها، وقد حرم مس الخمر، كما حرم شربها، فلا تمسوها أجسادكم، فإنها نجسة.
وقال شيخ الإسلام في التداوي بالتلطخ به ثم يغسله بعد ذلك: الصحيح أنه يجوز للحاجة، كما يجوز استنجاء الرجل بيده، وإزالة النجاسة بيده، وكلبس الحرير للتداوي به، لا ما أبيح للضرورة، كالمطاعم الخبيثة، فلا يجوز التداوي بها. وذكر الدليل والتعليل في غير موضع، وجوز هو وغيره الاكتحال بميل الذهب والفضة للحاجة.
ولا بأس بالحمية، وهي منع المريض من تناول ما يضره، وتحرم التميمة، وهي عوذ أو خرز أو خيوط ونحوها يتعلقها، لقوله «من تعلق تميمة فلا أتم الله له» ، وفي رواية «من تعلق تميمة فقد ِأشرك» وذلك لما فيها من تعلق القلب على غير الله، في جلب نفع، أو دفع ضر، فكان شركًا من هذه الحيثية، ولا بأس بكتب قرآن ذكر في إناء ثم يسقى فيه مريض وحامل لعسر الولد.

<<  <  ج: ص:  >  >>