للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم كلف أَحرم من موضعه (١) وكره إحرام قبل ميقات (٢) ويحج قبل أشهره، وينعقد (٣) .


(١) لأنه حصل دون الميقات، على وجه مباح، فكان له أن يحرم منه، كأهل ذلك الموضع، وكذا رقيق أو كافر.
(٢) أي كره أن يحرم بالحج أو العمرة، قبل الميقات الذي وقته الشارع، وروى الحسن أن عمران بن حصين: أحرم من مصر، فبلغ عمر، فغضب، وقال: يتسامع الناس أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من مصره، وقال: إن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان، فلما قدم على عثمان، لامه فيما صنع، وكرهه له. رواهما سعيد والأثرم. وقال البخاري: كره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان، ولأبي يعلى عن أبي أيوب مرفوعًا «يستمتع أحدكم بحله ما استطاع، فإنه لا يدري ما يعرض له في إحرامه» وهو أفضل، لموافقته الأحاديث الصحيحة، وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه أخر إحرامه من المدينة إلى الحليفة، إجماعًا في حجة الوداع، وكذا في عمرة الحديبية، وقال ابن عباس: من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهره. وفيه حديث مرفوع «لا ينبغي أن يحرم بالحج إلا في أشهره» وسنده لا بأس به. قاله ابن كثير وغيره؛ ولما فيه من المشقة، وعدم الأمن من المحظور.
(٣) أي ويكره: أن يحرم بالحج قبل أشهر الحج، قال في الشرح: بغير خلاف علمناه. لقول ابن عباس: من السنة أن لا يحرم بالحج، إلا في أشهر الحج. رواه البخاري. وقال تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أي وقت الحج أشهر معلومات، أو: أشهر الحج أشهر معلومات. فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، ولأنه أحرم بالعبادة قبل وقتها، فأشبه ما لو أحرم قبل الميقات المكاني، وينعقد الإحرام قبل الميقات المكاني، وينعقد أيضًا الإحرام بالحج قبل أشهره، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وحكى ابن المنذر وغيره الصحة في تقدمه على الميقات المكاني، إجماعًا، لأنه فعل جماعة من الصحابة والتابعين، ولم يقل أحد قبل داود: إنه لا يصح. ولكنه مكروه، وقوله {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أي معظمه في أشهره، كقوله صلى الله عليه وسلم «الحج عرفة» .
وميقات العمرة الزماني جميع العام، ولا يكره الإحرام بها، يوم عرفة، والنحر، والتشريق، وهو مذهب مالك، والشافعي، وداود وغيرهم، والمذهب: في رمضان أفضل، لخبر «عمرة في رمضان تقضي حجة» أو قال «حجة معي» وفي رواية «تعدل» ولأحمد «تجزئ حجة» وقيل: وفي غير أشهر الحج، لأنه يكثر القصد إلى البيت في كل السنة، والنبي صلى الله عليه وسلم. إنما اعتمر في أشهر الحج، مخالفة لهدي المشركين.
وقال ابن سيرين: ما أحد من أهل العلم يشك أن عمرة في أشهر الحج، أفضل من عمرة في غير أشهر الحج. قال ابن القيم: وهذا دليل على أن الاعتمار في أشهر الحج، أفضل من سائر السنة، بلا شك، سوى رمضان، لخبر أم معقل، ولكن لم يكن الله ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا أولى الأوقات، وأحقها بها، فكانت في أشهر الحج، نظير وقوع الحج في أشهره، وهذه الأشهر، قد خصها الله بهذه العبادة، وجعلها وقتًا لها، والعمرة حج أصغر، فأولى الأزمنة بها أشهر الحج.

<<  <  ج: ص:  >  >>