للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمتى حبس بمرض، أَو عدو، أَو ضل عن الطريق، حل ولا شيء عليه (١) . ولو شرط: أَن يحل متى شاء (٢) أو إن أفسده لم يقضه؛ لم يصح الشرط (٣) ولا يبطل الإحرام بجنون، أو إغماء، أَو سكر كموت (٤) ولا ينعقد مع وجود أحدها (٥) والأنساك: تمتع، وإفراد، وقران (٦) (وأَفضل الأنساك التمتع) فالإفراد، فالقران (٧) .


(١) إذا قال ذلك، إلا أن يكون معه هدي، فيلزمه نحره، فاستفاد باشتراطه شيئين «أحدهما» أنه إذا عاقه عائق فله التحلل «والثاني» متى حل فلا دم عليه، ولا صوم، وإن نوى الاشتراط، ولم يتلفظ به لم يفد، لقوله «قولي محلي» والقول لا يكون إلا باللسان.
(٢) لم يصح الشرط، لوجوب الإتمام.
(٣) لأنه لا عذر له في ذلك.
(٤) لخبر المحرم الذي وقصته راحلته.
(٥) أي الجنون، وما عطف عليه.
(٦) وهو مخير بينها، ذكره جماعة إجماعًا، لحديث عائشة «من أراد منكم أن يهل بحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج وعمرة، فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل» قالت: وأهل بالحج، وأهل به ناس معه، وأهل ناس بالعمرة والحج، وأهل ناس بالعمرة. متفق عليه.
(٧) فأما التمتع فهو أفضل، لأن الله نص عليه في كتابه العزيز، وقال عمران: نزلت آية التمتع في كتاب الله، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم تنزل آية تنسخها، ولم ينه عنها، حتى مات، أخرجاه، وأحاديث التمتع متواترة، رواها عنه صلى الله عليه وسلم أكابر الصحابة، وهو قول عمر، وابن عباس، وجمع، وهو المذهب، ومذهب الشافعي.
وقال الترمذي: أهل الحديث يختارون التمتع بالعمرة في الحج وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق ولإتيانه بأفعالهما كاملة، على وجه اليسر والسهولة، والتمتع مأخوذ من المتاع أو المتعة، وهو الانتفاع والنفع، وأما القران فهو أفضل لمن ساق الهدي، اختاره الشيخ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارنًا، وقال: «من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا» .
وقال ابن القيم: محال أن يكون حج أفضل من حج خير القرون، وأفضل العالمين مع نبيهم، وقد أمرهم أن يجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، فمن المحال أن يكون غيره أفضل منه إلا حج من قرن، وساق الهدي، كما اختاره الله لنبيه، فأي حج أفضل من هذين، وقد ذهب طائفة من السلف والخلف إلى إيجاب القران على من ساق الهدي، والتمتع على من لم يسقه، منهم ابن عباس، لفعله، وأمره صلى الله عليه وسلم، وأما الإفراد فلأن فيه إكمال النسكين، وهو أفضلها عند مالك، والشافعي، فهو أفضل بهذا الاعتبار.
قال الشيخ: والتحقيق أنه يتنوع باختلاف حال الحاج، فإن كان يسافر سفرة للعمرة، وللحج سفرة أخرى، أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج، ويعتمر، ويقيم بها، فهذا: الإفراد له أفضل، باتفاق الأئمة، وأما إذا فعل ما يفعله غالب الناس، وهو أن يجمع بين العمرة والحج، في سفرة واحدة، ويقدم مكة في أشهر الحج، فهذا إن ساق الهدي فالقران أفضل له، وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل.
فإنه قد ثبت بالنقول المستفيضة، التي لم يختلف في صحتها أهل العلم بالحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع هو وأصحابه، أمرهم جميعهم أن
يحلوا من إحرامهم، ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، فإنه أمره أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله يوم النحر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ساق الهدي، هو وطائفة من أصحابه، وقرن هو بين الحج والعمرة.
ولم يعتمر بعد الحج أحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عائشة وحدها، لأنها كانت قد حاضت، فلم يمكنها الطواف، فأمرها أن تهل بالحج، وتدع أفعال العمرة، لأنها كانت متمتعة، ثم إنها طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمرها، فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن، فاعتمرت من التنعيم.
ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أحد يخرج من مكة ليعتمر إلا لعذر، لا في رمضان، ولا في غيره، والذين حجوا معه، ليس فيهم من اعتمر بعد الحج من مكة إلا عائشة، ولا كان هذا من فعل الخلفاء الراشدين، والذين استحبوا الإفراد من الصحابة، إنما استحبوا أن يحج في سفره، ويعتمر في أخرى، ولم يستحبوا أن يحج ويعتمر بعد ذلك عمرة مكية، بل هذا لم يكونوا يفعلونه قط، إلا أن يكون شيئًا نادرًا، وتنازع السلف هل تجزئه عن عمرة الإسلام أو لا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>