للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) قَالَ الْفَرَّاءُ: مَجَازُهُ أُنْذِرُكُمْ [١] عَذَابًا كَعَذَابِ الْمُقْتَسِمِينَ، حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.

الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) ، جزّؤوه فَجَعَلُوهُ أَعْضَاءً فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الْيَهُودُ والنصارى قسموا كتابهم ففرقوه وبددوه [٢] . وقيل: المقتسمين: قَوْمٌ اقْتَسَمُوا الْقُرْآنَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سِحْرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شِعْرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَذِبٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.

وَقِيلَ: الِاقْتِسَامُ هُوَ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا الْقَوْلَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: سَاحِرٌ كَاهِنٌ شَاعِرٌ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ:

كَانُوا سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا بَعَثَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ فاقتسموا أعقاب [٣] مكة وأطرافها [٤] وَقَعَدُوا عَلَى أَنْقَابِهَا [٥] يَقُولُونَ لِمَنْ جَاءَ مِنَ الْحُجَّاجِ: لَا تَغْتَرُّوا بِهَذَا الرَّجُلِ الْخَارِجِ الَّذِي يَدَّعِي النُّبُوَّةَ مِنَّا، وَتَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِنَّهُ مَجْنُونٌ وَطَائِفَةٌ إِنَّهُ كَاهِنٌ وَطَائِفَةٌ إِنَّهُ شَاعِرٌ وَالْوَلِيدُ قَاعِدٌ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ نَصَّبُوهُ حَكَمًا فَإِذَا سُئِلَ عَنْهُ قَالَ: صَدَقَ أُولَئِكَ يَعْنِي الْمُقْتَسِمِينَ. وَقَوْلُهُ: عِضِينَ قِيلَ: هُوَ جَمْعُ عُضْوٍ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَضَيْتُ الشَّيْءَ تَعْضِيَةً، إِذَا فَرَّقْتُهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْقُرْآنَ أَعْضَاءً، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سِحْرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كِهَانَةٌ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ عِضَةٍ. [يُقَالُ: عِضَةٌ] [٦] وَعِضِينُ مِثْلُ بِرَةٍ وَبِرِينَ وَعِزَةٍ وَعِزِينَ وَأَصْلُهَا عِضْهَةٌ ذَهَبَتْ هَاؤُهَا الْأَصْلِيَّةُ كَمَا نَقَصُوا مِنَ الشَّفَةِ وَأَصْلُهَا شَفَهَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّكَ تَقُولُ فِي التَّصْغِيرِ شُفَيْهَةً وَالْمُرَادُ بِالْعِضَةِ الْكَذِبُ وَالْبُهْتَانُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعِضِينَ الْعِضَهُ [٧] وَهُوَ السِّحْرُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ سَمَّوُا الْقُرْآنَ سحرا.

فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فِي الدُّنْيَا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: قَالَ عِدَّةٌ مِنْ أهل العلم: عَنْ [٨] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) [الرَّحْمَنِ: ٣٩] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَسْأَلُهُمْ هَلْ عَمِلْتُمْ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْهُمْ وَلَكِنْ يَقُولُ: لِمَ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ وَاعْتَمَدَهُ قُطْرُبُ فَقَالَ: السُّؤَالُ ضَرْبَانِ سُؤَالُ اسْتِعْلَامٍ وَسُؤَالُ تَوْبِيخٍ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) [الرحمن: ٣٩] ، يعني: استعلاما. وقوله: لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يَعْنِي:

تَوْبِيخًا وَتَقْرِيعًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَتَيْنِ: إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ طويل فيه مواقف مختلفة يُسْأَلُونَ فِي بَعْضِ الْمَوَاقِفِ وَلَا يسألون في بعضها، نظير ذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥) [الْمُرْسَلَاتِ: ٣٥] ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١) [الزمر: ٣١] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَظْهِرْهُ. وَيُرْوَى عَنْهُ: أَمْضِهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:

أَعْلِمْ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: افْرُقْ، أَيِ: افْرُقْ بِالْقُرْآنِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: اقْضِ بِمَا تُؤْمَرُ، وَأَصْلُ الصَّدْعِ الْفَصْلُ وَالْفَرْقُ، أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِإِظْهَارِ الدَّعْوَةِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ


(١) في المخطوط «أنذرتكم» .
(٢) في المطبوع وط «وبدلوه» .
(٣) في المطبوع وط «عقاب» .
(٤) في المطبوع «وطرفها» . [.....]
(٥) في المطبوع «نقابها» .
(٦) زيد في المطبوع.
(٧) تصحف في المطبوع «العضة» .
(٨) زيد في المطبوع «قوله» .

<<  <  ج: ص:  >  >>