للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ حَيٌّ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» .

وَلَوْ كَانَ الْخَضِرُ حَيًّا لَكَانَ لَا يعيش بعده.

[[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٣ الى ٨٧]]

وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧)

قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) ، خَبَرًا، وَاخْتَلَفُوا فِي نُبُوَّتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ نَبِيًّا، وَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: سُئِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ أَكَانَ نَبِيًّا أَمْ ملكا، فقال: لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَا مَلِكًا ولكن كان عبدا [صالحا] [١] أَحَبَّ اللَّهَ وَأَحَبَّهُ اللَّهُ، نَاصَحَ اللَّهَ فَنَاصَحَهُ اللَّهُ.

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِآخَرَ: يَا ذَا القرنين، فقال: سميتم بأسماء الأنبياء فَلَمْ تَرْضَوْا حَتَّى تَسَمَّيْتُمْ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَلِكًا عَادِلًا صَالِحًا. وَاخْتَلَفُوا فِي سبب تسميته بذي الْقَرْنَيْنِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: لِأَنَّهُ بَلَغَ قَرْنَيِ الشَّمْسِ مَشْرِقَهَا وَمَغْرِبَهَا. وَقِيلَ: لأنه كان مَلَكَ الرُّومَ وَفَارِسَ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ دَخَلَ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ. وَقِيلَ لِأَنَّهُ رَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهُ أَخَذَ بِقَرْنَيِ الشَّمْسِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ ذُؤَابَتَانِ حَسَنَتَانِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ قَرْنَانِ تُوَارِيهِمَا الْعِمَامَةُ. وَرَوَى أَبُو الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّهُ أَمَرَ قَوْمَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ فَمَاتَ فَبَعَثَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْسَرِ فَمَاتَ، فَأَحْيَاهُ اللَّهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِهِ قِيلَ: اسْمُهُ مَرْزُبَانُ بْنُ مِرْزَبَّةَ [٢] الْيُونَانِيُّ مِنْ وَلَدِ يُونَانَ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ. وَقِيلَ: اسْمُهُ الْإِسْكَنْدَرُ بْنُ فَيْلَفُوسَ [٣] بْنِ ياملوس الرومي.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ، أَوْطَأْنَا، وَالتَّمْكِينُ: تمهيد الأسباب. وقال عَلِيٌّ: سَخَّرَ لَهُ السَّحَابَ فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا، وَمَدَّ لَهُ فِي الْأَسْبَابِ وَبَسَطَ لَهُ النُّورَ فَكَانَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ عَلَيْهِ سَوَاءً، فَهَذَا مَعْنَى تَمْكِينِهِ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ أَنَّهُ سَهَّلَ عَلَيْهِ السَّيْرَ فِيهَا وَذَلَّلَ لَهُ طُرُقَهَا. وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أي: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْخَلْقُ. وَقِيلَ: مِنْ كُلِّ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ الْمُلُوكُ عَلَى فَتْحِ الْمُدُنِ وَمُحَارَبَةِ الْأَعْدَاءِ، سَبَباً، أَيْ:

عِلْمًا يَتَسَبَّبُ بِهِ إِلَى كُلِّ مَا يُرِيدُ، وَيَسِيرُ بِهِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَالسَّبَبُ: مَا يُوَصِّلُ به إِلَى الشَّيْءِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بَلَاغًا إِلَى حَيْثُ أَرَادَ. وَقِيلَ: قَرَّبْنَا إِلَيْهِ أَقْطَارَ الْأَرْضِ.

فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) ، أي: سلك وسار طريقا، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ «فَاتَّبَعَ» «ثُمَّ اتَّبَعَ» مَوْصُولًا [٤] مُشَدَّدًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَجَزْمِ التَّاءِ: قيل: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَطَعَ الْأَلِفَ فَمَعْنَاهُ أَدْرَكَ وَلَحِقَ، وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ فَمَعْنَاهُ سَارَ، يُقَالُ: مَا زِلْتُ أَتْبَعُهُ حَتَّى أَتْبَعْتُهُ [٥] أَيْ: مَا زِلْتُ أَسِيرُ خَلْفَهُ حَتَّى لَحِقْتُهُ. وَقَوْلُهُ: سَبَبًا أَيْ طَرِيقًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْزِلًا.

حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ [٦] عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ «حَامِيَةٍ» بِالْأَلِفِ غَيْرِ مَهْمُوزَةٍ، أَيْ حَارَّةٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ حَمِئَةٍ مَهْمُوزًا بِغَيْرِ الْأَلِفِ أَيْ ذَاتُ


(١) سقط من المطبوع وط. [.....]
(٢) في المطبوع «مرزبة بن مرزبان» .
(٣) في المخطوط «فيليوس» .
(٤) أي همزته الوصل.
(٥) في- ط «أتبعته» .
(٦) تصحف في المطبوع «أبو» .

<<  <  ج: ص:  >  >>