للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً، قِيلَ: الْكِنَايَةُ تَرْجِعُ إِلَى مَا، أَيْ هُوَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَهُ. وَقِيلَ: الْكِنَايَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّ عِبَادَهُ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا.

وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ، أي ذَلَّتْ وَخَضَعَتْ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَسِيرِ: عَانٍ. وَقَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ:

هو [ما قدم من] [١] السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ، وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَسِرَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ، وَالظُّلْمُ هُوَ الشِّرْكُ.

وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «فَلَا يَخَفْ» مَجْزُومًا عَلَى النَّهْيِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْمَلْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ فَلا يَخافُ مَرْفُوعًا عَلَى الْخَبَرِ، ظُلْماً وَلا هَضْماً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يخاف أن يزداد [عليه في] [٢] سيآته ولا أن يُنْقَصُ مِنْ حَسَنَاتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يُنْقَصُ مِنْ ثَوَابِ حَسَنَاتِهِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ذَنْبُ مُسِيْءٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يُؤْخَذُ بِذَنْبٍ لم يعمله ولا يبطل [٣] حَسَنَةٌ عَمِلَهَا، وَأَصِلُ الْهَضْمِ النَّقْصُ وَالْكَسْرُ، وَمِنْهُ هَضْمُ الطَّعَامِ.

وَكَذلِكَ، أَيْ كَمَا بَيَّنَّا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، أَنْزَلْناهُ، يَعْنِي أَنْزَلْنَا هَذَا الْكِتَابَ، قُرْآناً عَرَبِيًّا، يَعْنِي [٤] بِلِسَانِ الْعَرَبِ، وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ، أَيْ صَرَّفْنَا الْقَوْلَ فِيهِ بِذِكْرِ الْوَعِيدِ، لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، أَيْ يَجْتَنِبُونَ الشِّرْكَ، أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً، أَيْ يُجَدِّدُ لَهُمُ الْقُرْآنُ عِبْرَةً وعظة فيعتبروا ويتعظوا بذكر عتاب اللَّهِ لِلْأُمَمِ الْخَالِيَةِ.

فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [أي] [٥] جَلَّ اللَّهُ عَنْ إِلْحَادِ الْمُلْحِدِينَ وَعَمَّا يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ، وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ، أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِالْقُرْآنِ يُبَادِرُ فَيَقْرَأُ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ جِبْرِيلُ مما يريد من التلاوة، مخافة الِانْفِلَاتِ وَالنِّسْيَانِ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ، أَيْ لَا تَعْجَلْ بِقِرَاءَتِهِ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْرَغَ جِبْرِيلُ مِنَ الْإِبْلَاغِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ

[الْقِيَامَةِ: ١٦] وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: نَقْضِي بِالنُّونِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِ الضَّادِ، وَفَتْحِ الْيَاءِ وَحْيُهُ بالنصب، وقال مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: مَعْنَاهُ لَا تُقْرِئْهُ أَصْحَابَكَ وَلَا تُمْلِهِ عَلَيْهِمْ حَتَّى نبين [٦] لَكَ مَعَانِيهِ، وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً، يَعْنِي بِالْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ. وَقِيلَ: عِلْمًا إِلَى مَا عَلِمْتُ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الآية قال: اللهم زدني إيمانا ويقينا.

[[سورة طه (٢٠) : الآيات ١١٥ الى ١١٩]]

وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَاّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلَاّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩)

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ، يَعْنِي أَمَرْنَاهُ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنَ الشَّجَرَةِ مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ وَتَرَكُوا الْإِيمَانَ بِي، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [طه: ١١٣] ، فَنَسِيَ، فَتَرْكَ الْأَمْرَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ [إن] [٧] نَقَضُوا الْعَهْدَ فَإِنَّ آدَمَ أَيْضًا عهدنا إليه فنسي،


(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «على» .
(٣) في المطبوع «وتبطل» .
(٤) زيد في المطبوع «لتعجل به» .
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «يتبين» .
(٧) زيادة عن المخطوط. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>