للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَوْمِكُمْ هَذَا وَلَا عَلَى أَنَّهُ نَزَعَ مِنْهُ شَيْئًا مِنَ الْكَرَامَةِ التي أكرمه [الله]]

بها، ولأن أَيُّوبَ قَالَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ فِي طُولِ مَا صَحِبْتُمُوهُ إلى يومكم هذا أفإن كَانَ الْبَلَاءُ هُوَ الَّذِي أَزْرَى بِهِ عِنْدَكُمْ وَوَضَعَهُ فِي أَنْفُسِكُمْ فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي الْمُؤْمِنِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ، وَلَيْسَ بَلَاؤُهُ لِأُولَئِكَ بِدَلِيلٍ عَلَى سُخْطِهِ عَلَيْهِمْ، وَلَا لِهَوَانِهِ لَهُمْ وَلَكِنَّهُ كَرَامَةٌ وَخِيَرَةٌ لَهُمْ، وَلَوْ كَانَ أَيُّوبُ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ إِلَّا أَنَّهُ أَخٌ أَحْبَبْتُمُوهُ عَلَى وَجْهِ الصُّحْبَةِ لَكَانَ لَا يجمل أَنْ يَعْذِلَ أَخَاهُ عِنْدَ الْبَلَاءِ. ولا أن يعيره بالمصيبة ولا أن يَعِيبَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ وَهُوَ مَكْرُوبٌ حَزِينٌ، وَلَكِنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَبْكِي مَعَهُ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ وَيَحْزَنُ لِحُزْنِهِ، ويدل على مراشد أمره وليس بحكيم وَلَا رَشِيدٍ مَنْ جَهِلَ هَذَا، فَاللَّهَ اللَّهَ أَيُّهَا الْكُهُولُ وَقَدْ كَانَ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ، وَذِكْرِ الْمَوْتِ مَا يَقْطَعُ أَلْسِنَتَكُمْ وَيَكْسِرُ قُلُوبَكُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ لله عبادا أسكتتهم خشيته مِنْ غَيْرِ عِيٍّ وَلَا بُكْمٍ وَأَنَّهُمْ لَهُمُ الْفُصَحَاءُ الْبُلَغَاءُ النُّبَلَاءُ الْأَلِبَّاءُ الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ.

وَلَكِنَّهُمْ إِذَا ذَكَرُوا عَظَمَةَ اللَّهِ انْقَطَعَتْ أَلْسِنَتُهُمْ وَاقْشَعَرَّتْ جُلُودُهُمْ وَانْكَسَرَتْ قُلُوبُهُمْ وَطَاشَتْ عُقُولُهُمْ إِعْظَامًا وَإِجْلَالًا لِلَّهِ عَزَّ وجلّ، فإذا استقاموا مِنْ ذَلِكَ اسْتَبَقُوا إِلَى اللَّهِ عزّ وجلّ بالأعمال الزكية يعدون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين وأنهم لأبرار نزهاء بَرَءَاءُ وَمَعَ الْمُقَصِّرِينَ وَالْمُفَرِّطِينَ وَإنَّهُمْ لأكياس أقوياء، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَزْرَعُ الْحِكْمَةَ بِالرَّحْمَةِ فِي قَلْبِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، فَمَتَى نَبَتَتْ فِي الْقَلْبِ يُظْهِرُهَا اللَّهُ عَلَى اللِّسَانِ وَلَيْسَتْ تَكُونُ الْحِكْمَةُ مِنْ قِبَلِ السِّنِّ وَالشَّيْبَةِ وَلَا طُولِ التَّجْرِبَةِ وَإِذَا جَعَلَ اللَّهُ الْعَبْدَ حَكِيمًا فِي الصِّبَا لَمْ تُسْقَطْ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ وَهُمْ يَرَوْنَ مِنَ الله عَلَيْهِ نُورَ الْكَرَامَةِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُمْ أَيُّوبُ وَأَقْبَلَ عَلَى رَبِّهِ مُسْتَغِيثًا بِهِ مُتَضَرِّعًا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَبِّ لِأَيِّ شَيْءٍ خَلَقْتَنِي لَيْتَنِي إِذْ كَرِهْتَنِي لَمْ تَخْلُقْنِي يَا لَيْتَنِي قَدْ عَرَفْتُ الذَّنْبَ الَّذِي أَذْنَبْتُ، وَالْعَمَلَ الَّذِي عَمِلْتُ، فَصَرَفْتَ به وَجْهَكَ الْكَرِيمَ عَنِّي لَوْ كُنْتَ أَمَتَّنِي فَأَلْحَقْتَنِي بِآبَائِي الْكِرَامِ، فَالْمَوْتُ كَانَ أَجْمَلَ بِي أَلَمْ أَكُنْ لِلْغَرِيبِ دَارًا وَلِلْمِسْكِينِ قَرَارًا وَلِلْيَتِيمِ وَلِيًّا وَلِلْأَرْمَلَةِ قَيِّمًا، إِلَهِي أَنَا عَبْدُكَ إِنْ أَحْسَنْتُ فَالْمَنُّ لَكَ وإن أسأت فبيدك عقوبتي، وجعلتني للبلاء عَرَضًا وَلِلْفِتْنَةِ نَصْبًا وَقَدْ وَقَعَ عَلَيَّ بَلَاءٌ لَوْ سَلَّطْتَهُ عَلَى جبل لضعف عَنْ حَمْلِهِ، فَكَيْفَ يَحْمِلُهُ ضَعْفِي وَإِنَّ قَضَاءَكَ هُوَ الَّذِي أَذَلَّنِي وَإِنَّ سُلْطَانَكَ هُوَ الَّذِي أَسْقَمَنِي وَأَنْحَلَ جِسْمِي، وَلَوْ أَنَّ رَبِّي نَزَعَ الْهَيْبَةَ الَّتِي فِي صَدْرِي وَأَطْلَقَ لِسَانِي حَتَّى أَتَكَلَّمَ بِمَلْءِ فَمِي بِمَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُحَاجَّ عَنْ نَفْسِهِ لَرَجَوْتُ أَنْ يُعَافِيَنِي عِنْدَ ذَلِكَ مِمَّا بِي وَلَكِنَّهُ أَلْقَانِي وَتَعَالَى عَنِّي فَهُوَ يَرَانِي وَلَا أَرَاهُ وَيَسْمَعُنِي ولا أسمعه فلا نَظَرَ إِلَيَّ فَيَرْحَمُنِي وَلَا دَنَا مِنِّي وَلَا أَدْنَانِي فَأُدْلِي بِعُذْرِي وَأَتَكَلَّمُ بِبَرَاءَتِي وَأُخَاصِمُ عَنْ نَفْسِي، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ أَيُّوبُ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ أَظَلَّهُ غَمَامٌ حَتَّى ظَنَّ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ، ثُمَّ نُودِيَ يَا أَيُّوبُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: هَا أَنَا قَدْ دَنَوْتُ مِنْكَ وَلَمْ أَزَلْ منك قريبا ثم فَأَدْلِ بِعُذْرِكَ وَتَكَلَّمْ بِبَرَاءَتِكَ وَخَاصِمْ عن نفسك واشدد إزارك، وقم مقام جبار يخاصم جبار إِنِ اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَاصِمَنِي إِلَّا جَبَّارٌ مِثْلِي ولا شبه لي لَقَدْ مَنَّتْكَ نَفْسُكَ يَا أَيُّوبُ أمرا ما تبلغه بِمِثْلِ قُوَّتِكَ أَيْنَ أَنْتَ مِنِّي يَوْمَ خَلَقْتُ الْأَرْضَ فَوَضَعْتُهَا عَلَى أَسَاسِهَا هَلْ كُنْتَ مَعِي تَمُدُّ بِأَطْرَافِهَا وَهَلْ عَلِمْتَ بِأَيِّ مِقْدَارٍ قَدَّرْتُهَا أَمْ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ وَضَعْتُ أَكْنَافَهَا أَبِطَاعَتِكَ حَمَلَ الْمَاءُ الْأَرْضَ أَمْ بِحِكْمَتِكَ كَانَتِ الْأَرْضُ لِلْمَاءِ غِطَاءً أَيْنَ كُنْتَ مِنِّي يوم رفعت السماء سقفا [محفوظا] [٢] في الهواء لا


(١) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٢) زيادة عن المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>