للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَوْمَ الدِّينِ، سُبْحَانَ خَالِقِ النُّورِ.

قال مُجَاهِدٌ: مَكَثَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا سَاجِدًا لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى نَبَتَ المرعى من دموع عينيه وغطى رَأْسَهُ، فَنُودِيَ: يَا دَاوُدُ أَجَائِعٌ فتطعم؟ أم [١] ظَمْآنٌ فَتُسْقَى؟ أَوْ عَارٍ فَتُكْسَى؟ فَأُجِيبُ فِي غَيْرِ مَا طَلَبَ.

قَالَ: فَنَحَبَ نَحْبَةً هَاجَ لَهَا الْعُودُ فَاحْتَرَقَ مِنْ حَرِّ جَوْفِهِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ لَهُ التَّوْبَةَ وَالْمَغْفِرَةَ [٢] .

قَالَ وَهْبٌ: إِنَّ دَاوُدَ أَتَاهُ نِدَاءٌ: إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكَ، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ وَأَنْتَ لَا تَظْلِمُ أَحَدًا؟ قَالَ:

اذْهَبْ إِلَى قَبْرِ أُورِيَّا فَنَادِهِ، فَأَنَا أُسْمِعُهُ نِدَاءَكَ فَتَحَلَّلَ مِنْهُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ وَقَدْ لَبِسَ الْمُسُوحَ حَتَّى جَلَسَ عِنْدَ قَبْرِهِ، ثُمَّ نَادَى يَا أُورِيَّا، فَقَالَ: لَبَّيْكَ مَنْ هَذَا الَّذِي قَطَعَ عَلَيَّ [٣] لَذَّتِي وَأَيْقَظَنِي؟ قَالَ: أَنَا دَاوُدُ، قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا نبي الله؟ قال: [جئت] [٤] أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنِي فِي حَلٍّ مِمَّا كَانَ مِنِّي إِلَيْكَ، قَالَ: وَمَا كَانَ مِنْكَ إِلَيَّ؟ قَالَ: عرضتك للقتل، قال: قد عَرَّضْتَنِي لِلْجَنَّةِ فَأَنْتَ فِي حَلٍّ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا دَاوُدُ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي حَكَمٌ عَدْلٌ لَا أَقْضِي بِالْعَنَتِ [٥] أَلَا أَعْلَمْتَهُ أَنَّكَ قَدْ تَزَوَّجْتَ امْرَأَتَهُ، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَنَادَاهُ فَأَجَابَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا الَّذِي قَطَعَ عَلَيَّ [٦] لَذَّتِي؟ قَالَ: أَنَا دَاوُدُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ؟ قال: نَعَمْ وَلَكِنْ إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ لِمَكَانِ امْرَأَتِكَ وَقَدْ تَزَوَّجْتُهَا، قَالَ: فَسَكَتَ فلم يُجِبْهُ وَدَعَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَعَاوَدَهُ فلم يجبه، فقام [عند] [٧] قبره وجعل يحثو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ نَادَى الويل لداود ثم الْوَيْلُ لِدَاوُدَ ثُمَّ الْوَيْلُ الطَّوِيلُ لِدَاوُدَ، سُبْحَانَ خَالِقِ النُّورِ، وَالْوَيْلُ لداود [ثم الويل له] [٨] إذا نصب الميزان [٩] بِالْقِسْطِ، سُبْحَانَ خَالِقِ النُّورِ الْوَيْلُ لِدَاوُدَ ثُمَّ الْوَيْلُ الطَّوِيلُ لِدَاوُدَ [١٠] حِينَ يُؤْخَذُ بِذَقَنِهِ فَيُدْفَعُ إِلَى الْمَظْلُومِ، سُبْحَانَ خَالِقِ النُّورِ الْوَيْلُ لِدَاوُدَ ثُمَّ الْوَيْلُ الطَّوِيلُ لَهُ [١١] حين يسحب على وَجْهِهِ مَعَ الْخَاطِئِينَ إِلَى النَّارِ، سُبْحَانَ خَالِقِ النُّورِ، فَأَتَاهُ نِدَاءٌ مِنَ السَّمَاءِ: يَا دَاوُدُ قَدْ غَفَرْتُ لَكَ ذَنْبَكَ وَرَحِمْتُ بُكَاءَكَ وَاسْتَجَبْتُ دُعَاءَكَ وَأَقَلْتُ عَثْرَتَكَ، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ وَصَاحِبِي لَمْ يَعْفُ عَنِّي؟ قَالَ: يَا دَاوُدُ أُعْطِيهِ مِنَ الثَّوَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا لَمْ تَرَ عَيْنَاهُ وَلَمْ تسمع أذناه، فأقول له: رضيت عن عبدي داود؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مِنْ أَيْنَ لِي هَذَا وَلَمْ يَبْلُغْهُ عَمَلِي؟ فَأَقُولُ: هَذَا عِوَضٌ مِنْ عَبْدِي دَاوُدَ فَأَسْتَوْهِبُكَ مِنْهُ فَيَهَبُكَ لِي، قَالَ: يَا رَبِّ الْآنَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّكَ قَدْ غَفَرْتَ لِي [١٢] .

فذلك قوله: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً، أَيْ سَاجِدًا، عَبَّرَ بِالرُّكُوعِ عَنِ السُّجُودِ لأن كل واحد منهما فِيهِ انْحِنَاءٌ، قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: سَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ عَنْ قَوْلِهِ: وَخَرَّ راكِعاً هَلْ يُقَالُ لِلرَّاكِعِ خَرَّ؟

قُلْتُ: لا ومعناه فخر [١٣] بعد ما كَانَ رَاكِعًا أَيْ: سَجَدَ [١٤] . وَأَنابَ، أَيْ رَجَعَ وَتَابَ.

فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ، يَعْنِي ذَلِكَ الذَّنْبَ، وَإِنَّ لَهُ، بَعْدَ الْمَغْفِرَةِ، عِنْدَنا، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَزُلْفى، لقربة ومكانة، وَحُسْنَ مَآبٍ، أَيْ حُسْنُ مَرْجِعٍ وَمُنْقَلَبٍ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: إِنَّ داود لما تاب الله


(١) في المطبوع «أو» والمثبت عن المخطوط.
(٢) هذه الآثار من الإسرائيليات.
(٣) في المطبوع «عني» والمثبت عن المخطوط. [.....]
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «بالغيب» والمثبت عن المخطوط، و «ط» .
(٦) في المطبوع «عني» .
(٧) في المطبوع «عن» والمثبت عن المخطوط.
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) في المخطوط «نصبت الموازين» .
(١٠) في المخطوط «لداود» .
(١١) في المطبوع «له» .
(١٢) لو لم يذكر المصنف هذه الآثار لكان أولى، وقد أطال في ذلك رحمه الله؟!
(١٣) في المطبوع «خر» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(١٤) في المطبوع «ساجدا» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>