للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْلُهُ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، أَيْ: أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ [الشُّورَى: ١٥] أَيْ: أَنَّ أَعْدَلَ، وَقَوْلُهُ: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الْأَنْعَامِ: ٧١] ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ [غَافِرٍ: ٦٦] ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، أَيْ: يُوَضِّحَ لَكُمْ شَرَائِعَ دِينِكُمْ وَمَصَالِحَ أُمُورِكُمْ، قَالَ عَطَاءٌ: يُبَيِّنُ لَكُمْ مَا يُقَرِّبُكُمْ مِنْهُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يُبَيِّنُ لَكُمْ أَنَّ الصَّبْرَ عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ خَيْرٌ لَكُمْ، وَيَهْدِيَكُمْ، يرشدكم، سُنَنَ، شَرَائِعَ، الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، فِي تَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ قَبِلَكُمْ، وَقِيلَ: وَيَهْدِيَكُمُ الْمِلَّةَ الْحَنِيفِيَّةَ وَهِيَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وَيَتَجَاوَزَ عَنْكُمْ مَا أَصَبْتُمْ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِكُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا إِلَى طَاعَتِهِ، وقيل: يوفقكم التوبة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، حَكِيمٌ، فِيمَا دَبَّرَ مِنْ أُمُورِهِمْ.

وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، إِنْ وَقْعَ منكم تقصير في أمر دينكم [١] وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا، عَنِ الْحَقِّ، مَيْلًا عَظِيماً بِإِتْيَانِكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.

وَاخْتَلَفُوا في الموصوفين باتّباع الشهوات، فقال السُّدِّيُّ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمَجُوسُ لِأَنَّهُمْ يُحِلُّونَ نِكَاحَ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَالْأُخْتِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الزُّنَاةُ يُرِيدُونَ أَنْ تَمِيلُوا عَنِ الْحَقِّ فَتَزْنُونَ كَمَا يَزْنُونَ، وَقِيلَ: هُمْ جَمِيعُ أَهْلِ الْبَاطِلِ.

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ، يسهل عليكم أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَقَدْ سَهَّلَ كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ [الأعراف: ١٥٧] ع «٥٧٠» وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ» [٢] .


٥٧٠- ع جيد. أخرجه أحمد ٥/ ٢٦٦ والطبراني في «الكبير» (٧٨٦٨) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (٢/ ٢٠٤) من حديث أبي أمامة بأتم منه وفيه: «إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة....» . وذكره الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٢٧٩ (٩٤٤١) وقال: وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف اهـ. وورد من وجه آخر من حديث أبي أمامة أخرجه الطبراني ٧٧١٥ وفيه عفير بن معدان، وهو ضعيف كما في «المجمع» (٤/ ٣٠٢) (٧٦١٣) .
وله شواهد منها:
- حديث عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عن أبيه قال: قال لي عروة: إن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: «لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة» .
أخرجه أحمد ٦/ ١١٦ و٢٣٣ وإسناده جيد.
وأخرجه الحميدي ٢٥٩ من طريق يعقوب بن زيد التيمي، عن عائشة وإسناده منقطع وانظر «فتح الباري» (٢/ ٤٤٤) .
- وحديث جابر أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (٧/ ٢٠٩) بأتم منه وإسناده ضعيف.
- ومرسل حبيب بن أبي ثابت عند ابن سعد في «الطبقات» (١/ ١٥١) .
- وفي الباب من حديث أبي هريرة «إن أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة» أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٧٣٤٧) .
وفي إسناده عبد الله بن إبراهيم الغفاري، منكر الحديث كما في «المجمع» (١/ ٦٠) (٢٠٥) .
وليس في أي رواية من هذه الروايات قوله «السهلة» وانظر «المقاصد الحسنة» (١٩٣) .
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده، والله أعلم.
(١) في- ب «دينه» .
(٢) في الأصل «السلهة» وهو تصحيف. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>