للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ قَاتِلَ الْمُسْلِمِ عَمْدًا تَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً [طَه: ٨٢] وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النِّسَاءِ: ٤٨، ١١٦] ، وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهُوَ تَشْدِيدٌ وَمُبَالَغَةٌ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْقَتْلِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ لَمْ يَقْتُلْ يُقَالُ لَهُ لَا تَوْبَةَ لَك، وَإِنْ قَتَلَ ثُمَّ جَاءَ يُقَالُ لَكَ توبة [١] . ويروى مثله ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مُتَعَلَّقٌ لِمَنْ يَقُولُ بِالتَّخْلِيدِ فِي النَّارِ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ، لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قاتل هو كَافِرٌ، وَهُوَ مِقْيَسُ [٢] بْنُ صُبَابَةَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ وَعِيدٌ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُسْتَحِلًّا لِقَتْلِهِ بِسَبَبِ إِيمَانِهِ، وَمَنِ اسْتَحَلَّ قَتْلَ أَهْلِ الْإِيمَانِ لِإِيمَانِهِمْ كَانَ كَافِرًا مُخَلَّدًا فِي النار، وقيل: قَوْلِهِ تَعَالَى: فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها مَعْنَاهُ هِيَ جَزَاؤُهُ إِنْ جَازَاهُ، وَلَكِنَّهُ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ [بذنبه] [٣] وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ بِكَرَمِهِ، فَإِنَّهُ وَعَدَ أَنْ يَغْفِرَ لِمَنْ يَشَاءُ، حُكِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ جَاءَ إِلَى أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ فَقَالَ لَهُ: هَلْ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: مِنَ الْعُجْمَةِ [٤] أَتَيْتَ يَا أَبَا عُثْمَانَ! إِنَّ الْعَرَبَ لَا تَعُدُّ الْإِخْلَافَ فِي الْوَعِيدِ خَلَفًا وَذَمًّا وَإِنَّمَا تَعُدُ إِخْلَافَ الْوَعْدِ خَلَفًا وَذَمًّا وَأَنْشَدَ:

وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ [٥] أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إِيعَادَيِ وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي [٦]

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الشِّرْكِ لَا يُوجِبُ التَّخْلِيدَ فِي النَّارِ:

ع «٦٨٣» ما رويناه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخْلَ الْجَنَّةَ» .

«٦٨٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو الْيَمَانِ [٧] أَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العقبة:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا [فَعُوقِبَ فِي الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من


(١) انظر «تفسير الطبري» (١٠١٩٥ و١٠٩٦) .
(٢) تصحف في المخطوط «مقبس» .
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع وحده «العجم» .
(٥) في الأصل «وعدته» وهو تصحيف.
(٦) البيت لعامر بن الطفيل.
(٧) في الأصل «اليمن» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» و «صحيح البخاري» .
٦٨٣- ع تقدم برقم: ٦٢٤ وهو صحيح.
٦٨٤- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو اليمان هو الحكم بن نافع، شعيب هو ابن دينار، الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب.
- وهو في «شرح السنة» (٢٩) بهذا الإسناد.
خرّجه المصنف من طريق البخاري، وفي «صحيحه» (١٨) عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٣٨٩٢ و٤٨٩٤ و٦٧٨٤ ومسلم ١٧٠٩ والترمذي ١٤٣٩ والنسائي في «الكبرى» (٧٢٩٢ و٧٧٨٤) وأحمد ٥/ ٣١٤ من طرق عن الزهري بهذا الإسناد. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>