للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صُوفًا وَبَكَى، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ الْآيَةَ، فَنَزَلَتْ سُفْرَةٌ حَمْرَاءُ بَيْنَ غَمَامَتَيْنِ غَمَامَةٍ مِنْ فَوْقِهَا وَغَمَامَةٍ مِنْ تَحْتِهَا وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَهِيَ تَهْوِي مُنْقَضَّةً [١] حَتَّى سَقَطَتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَبَكَى عِيسَى، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ الشَّاكِرِينَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عُقُوبَةً، وَالْيَهُودُ يَنْظُرُونَ إِلَى شَيْءٍ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ قَطُّ وَلَمْ يَجِدُوا رِيحًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِهِ، فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: لِيَقُمْ أَحْسَنُكُمْ عَمَلًا فَيَكْشِفُ عَنْهَا وَيَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ شَمْعُونُ الصَّفَّارُ رَأْسُ الْحَوَارِيِّينَ: أَنْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَّا [يا نبيّ الله] [٢] ، فَقَامَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى صَلَاةً طَوِيلَةً وَبَكَى كَثِيرًا، ثُمَّ كَشَفَ الْمِنْدِيلَ عَنْهَا، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الرَّازِقِينَ فَإِذَا هُوَ سَمَكَةٌ مَشْوِيَّةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا فُلُوسُهَا وَلَا شَوْكَ عَلَيْهَا تَسِيلُ مِنَ الدَّسَمِ وَعِنْدَ رَأْسِهَا مِلْحٌ وَعِنْدَ ذَنَبِهَا خَلٌّ، وَحَوْلَهَا مِنْ أَلْوَانِ الْبُقُولِ مَا خَلَا الْكُرَّاثَ، وَإِذَا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ عَلَى وَاحِدٍ زَيْتُونٌ، وَعَلَى الثَّانِي عَسَلٌ، وَعَلَى الثَّالِثِ سَمْنٌ، وَعَلَى الرَّابِعِ جُبْنٌ، وَعَلَى الْخَامِسِ قَدِيدٌ، فَقَالَ شَمْعُونُ: يَا رُوحَ اللَّهِ أَمِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا هَذَا أَمْ مِنْ طَعَامِ الْآخِرَةِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا تَرَوْنَ مِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا وَلَا مِنْ طَعَامِ الْآخِرَةِ، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ افْتَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ الْغَالِبَةِ، كُلُوا مِمَّا سَأَلْتُمْ يَمْدُدْكُمْ وَيَزِدْكُمْ [٣] من فضله، فقالوا:

يَا رُوحَ اللَّهِ كُنْ أَوَّلَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا، فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنَّ آكُلَ مِنْهَا وَلَكِنْ يَأْكُلُ مِنْهَا مَنْ سَأَلَهَا فَخَافُوا أَنْ يَأْكُلُوا منها، فدعا لها عيسى أَهْلَ الْفَاقَةِ وَالْمَرْضَى وَأَهْلَ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَالْمُقْعَدِينَ وَالْمُبْتَلِينَ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَكُمُ الْمَهْنَأُ [٤] وَلِغَيْرِكُمُ الْبَلَاءُ، فَأَكَلُوا وَصَدَرَ عَنْهَا أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ فَقِيرٍ وَمَرِيضٍ وَزَمِنٍ وَمُبْتَلًى كُلُّهُمْ شبعان، وإذ السمكة كهيئتها [٥] حين نزلت، ثم طارت الْمَائِدَةِ صُعُدًا وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا حتى توارت بالحجاب، فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا زَمِنٌ وَلَا مَرِيضٌ وَلَا مُبْتَلًى إِلَّا عُوفِيَ وَلَا فَقِيرٌ إِلَّا اسْتَغْنَى وَنَدِمَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا فَلَبِثَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا تَنْزِلُ ضُحًى، فَإِذَا نزلت اجتمع الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ وَالصِّغَارُ وَالْكِبَارُ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَلَا تَزَالُ مَنْصُوبَةً يُؤَكَلُ مِنْهَا حَتَّى إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ طارت صعدا وهم ينظرون إليها فِي ظِلِّهَا حَتَّى تَوَارَتْ عَنْهُمْ، وَكَانَتْ تَنْزِلُ غِبًّا تَنْزِلُ يَوْمًا وَلَا تَنْزِلُ يَوْمًا كَنَاقَةِ ثَمُودَ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: اجْعَلْ مَائِدَتِي وَرِزْقِي لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ حَتَّى شَكُّوا وَشَكَّكُوا النَّاسَ فِيهَا، وَقَالُوا: أَتَرَوْنَ الْمَائِدَةَ حَقًّا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنِّي شَرَطْتُ أَنَّ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ نُزُولِهَا عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨) [المائدة: ١١٨] ، فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وَثَلَاثُونَ رَجُلًا بَاتُوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ على فراشهم مَعَ نِسَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا خَنَازِيرَ يَسْعَوْنَ في الطرقات والكنّاسات، ويأكلون القذرة فِي الْحُشُوشِ فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ فَزِعُوا إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَكَوْا، فَلَمَّا أَبْصَرَتِ الْخَنَازِيرُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَكَتْ وَجَعَلَتْ تُطِيفُ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَعَلَ عِيسَى يَدْعُوهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَيُشِيرُونَ بِرُءُوسِهِمْ وَيَبْكُونَ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْكَلَامِ، فَعَاشُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ هَلَكُوا [٦] .


(١) في المطبوع «خافضة» .
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع وط «ويزيدكم» .
(٤) كذا في المطبوع وط، و «الدر المنثور» (٢/ ٦١٢) وفي المخطوطين «الهنأ» .
(٥) في المطبوع «بحالها» .
(٦) ذكره ابن كثير في «التفسير» (٢/ ١٥٢، ١٥٤) ونسبه لابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سلمان الخير ثم قال: هذا أثر غريب جدا قطّعه ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة، وقد جمعته أنا له ليكون سياقه أتم وأكمل، والله. سبحانه وتعالى أعلم.... اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>