للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضَعِيفُ الرَّأْيِ، وَقَدِ انْصَرَفَ عَامِلُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَبِلادُ الْبَحْرَيْنِ الْيَوْمَ ضَائِعَةٌ لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ عَلَى دِينِ الإِسْلامِ، إِلا شِرْذِمَةٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَلَيْسَ هُمْ عِنْدَنَا بِشَيْءٍ، وَنَحْنُ أَكْثَرُ مِنْهُمْ خَيْلا وَرَجْلا، وَلَوْ بَعَثْتَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ رَجُلا يَأْخُذُهَا، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُمَانِعُهُ عَلَيْهَا) .

قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ كِسْرَى: (مَنْ تُحِبُّونَ أَنْ أُوَجِّهَ مَعَكُمْ إِلَى الْبَحْرَيْنِ) ، قَالُوا:

(مَنْ أَحَبَّ الْمَلِكُ) ، قَالَ: (فَمَا تَقُولُونَ فِي الْمُنْذِرِ [١] بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ) ، فَقَالُوا: (أَيُّهَا الْمَلِكُ، هُوَ لَنَا رِضًا، وَمَا نُرِيدُ بِهِ بَدَلا) .

قَالَ: فَأَرْسَلَ كِسْرَى إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ، فَدَعَاهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلامٌ حَدَثُ السِّنِّ حِينَ بَقِلَ وَجْهُهُ [٢] فَخَلَعَ عَلَيْهِ بِخِلَعٍ، وَتَوَّجَهُ بِتَاجٍ وَحَمَلَهُ عَلَى مِائَةٍ مِنَ الْخَيْلِ، وَضَمَّ إِلَيْهِ سَبْعَةَ آلافِ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، وَعَزَمَ أَنْ يُوَجِّهَ بِهِ مَعَ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ [٣] إِلَى الْبَحْرَيْنِ.

قَالَ: وَتَجَهَّزَ الْمُنْذِرُ بْنُ النُّعْمَانِ لِيَخْرُجَ مَعَ الْقَوْمِ، وَنَدِمَ كِسْرَى عَلَى مَا فَعَلَ، وَجَعَلَ يَقُولُ لِوُزَرَائِهِ: (إِنِّي لَمْ أَصْنَعْ شَيْئًا عَمِلْتُهُ إِلَى غُلامٍ حَدَثِ السِّنِّ لا مَعْرِفَةَ لَهُ بِالأُمُورِ فَجَعَلْتُهُ رَأْسًا لِلْعَرَبِ، وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ) .

قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُنْذِرَ بْنَ النُّعْمَانِ، فَأَقْبَلَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى كِسْرَى، فحياه [٢٦ ب] بِتَحِيَّةِ الْمُلُوكِ/ وَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الْعَرَبِ، ثُمَّ قَالَ:

(انْظُرُوا أَنْ تُفَسِّرُوا مَا أَقُولُ) ، ثُمَّ أَنْشَأَ يقول:


[١] المنذر بن النعمان الثالث بن المنذر الرابع بن المنذر بن امرئ القيس اللخمي، المعروف بالغرور، آخر المناذرة أصحاب الحيرة في الجاهلية، وليها بعد زاديه بن ماهان الهمذاني الفارسي، ولم تطل مدته، حكم ثمانية أشهر، وقتل أيام فتح البحرين سنة ١٢ هـ-.
(فتوح البلدان ص ٩٠- ٩١، تاريخ ابن خلدون ٢/ ٢٦١، الكامل لابن الأثير ١٢/ ١٤١، المحبر ص ٣٦٠- ٣٦١، الأغاني ١٤/ ٤٥، معجم البلدان: البحرين، الأعلام ٧/ ٢٩٥) .
[٢] بقل وجه الغلام: خرجت لحيته. (الصحاح: بقل) .
[٣] في الأصل: (بكر بن وائلة) .

<<  <   >  >>