للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقرفها [١] التذكر، لا يدملها إلّا الجزاء كيلا بصاع وفاء، لما اتصل أحد بعجاج أقدامها، ولا عدّ مثل أيامها، ولكنها أخذت بأزمّة الفضائل وأبت أن تعلقها كف متناول، أو يضرب فيها بسهم مخاصل [٢] ، فجوذبت الأزمّة على كرهها، فتمطت بها تمطّي الراتع في لجامه، والبازل في خطامه، فلما نظر الله إلى أنوفها قد شمخت، وإلى شفاهها قد بذخت، استوقفها بإمرئ لو عرفوا لغيره فضله كان مع أيديهم لهم باقي الدهر حربا، فعركهم كعرك السقاء وذلّلهم بعد إباء، فذاقوا [٣] غبّ الخطأ وطاعة السفهاء، فرغمت معاطسها وترعبلت [٤] مجالسها، فبعدا لمن أكل فريسته وحده، وجحد الشريك شركته، وإنّ مثلنا ومثلهم لكما قال الأول:

كنّا لأول ما خوّلته [٥] سببا ... فصرت رأسا ومن آتاكه ذنبا

لا يبعد الله إلّا آنفا عطست ... على المراغم سيمت خطة عجبا

لو أنها عرفت فضلا لذي رحم ... داني المحلة لم يبعد لها نسبا

أضحى لها عضدا تغني بها ويدا ... تنفي بها الذلّ إما أغضبت غضبا

فقام إليه ابن عبّاس فقال: مهلا يا ابن الزبير، لا تكن كالضبة [٦] صالت بحدها على ما لحقت من ولدها، لا تجعل ذرب [٧] لسانك [٤٠ أ] على من أنطقك، وبلاغة قولك على من سدّدك، ولا تجن على نفسك جناية العنز


[١] يقرفها: يتكأها.
[٢] الخصلة: الإصابة في الرمي.
[٣] في الأصل: «قد أبوا» .
[٤] في الأصل: تزعبلت، والصواب «ترعبلت» ، أي تمزقت وتقطعت.
[٥] في الأصل: «حولته» .
[٦] في الأصل: «الضبية» ، والضبة أنثى الضب. انظر كتاب الحيوان للجاحظ ج ١ ص ١٩٦.
[٧] في الأصل: «درب» .

<<  <   >  >>