للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّصَرُّفِ إنَّمَا يُسْتَفَادُ فِيهِ بِالْقَبْضِ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَا تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَكُونُ أَخْذُ قِيمَتِهِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْخَمْرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ بِالْقِيمَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْخِنْزِيرِ يَرُدُّونَ الْخَمْرَ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَمَنْ أَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْجَبَ الْمُتْعَةَ وَمَنْ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ أَوْجَبَ نِصْفَهَا وَفِي الْغَايَةِ وَيَرِدُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا مِنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَمْ تُجْعَلْ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ كَعَيْنِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي التَّبْيِينِ أَنَّ قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ إنَّمَا تَكُون كَعَيْنِهِ أَنْ لَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْخِنْزِيرِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ أَمَّا لَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ فَلَا وَفِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ بَدَلٌ عَنْ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ، وَإِنَّمَا صِيرَ إلَيْهَا لِلتَّقْدِيرِ بِهَا لَا غَيْرُ، فَلَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ عَيْنِهِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لَهَا فِي الْمُعَيَّنِ الْمُسَمَّى أَنَّهُ لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّ لَهَا نِصْفَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

ذَكَرَهُ بَعْدَ نِكَاحِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ مُقَدَّمًا عَلَى نِكَاحِ الْكُفَّارِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ فِيهِمْ غَالِبٌ، وَالرَّقِيقُ فِي اللُّغَةِ: الْعَبْدُ، وَيُقَالُ لِلْعَبِيدِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: الْمَمْلُوكُ مِنْ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الْكَافِرَ إذَا أُسِرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ رَقِيقٌ لَا مَمْلُوكٌ وَإِذَا أُخْرِجَ فَهُوَ مَمْلُوكٌ أَيْضًا فَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ مِنْ الْآدَمِيِّ رَقِيقٌ لَا عَكْسُهُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ) أَيْ لَا يَنْفُذُ فَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ النَّفَاذِ لَا عَدَمُ الصِّحَّةِ بِقَرِينَةِ سَابِقِهِ فِي فَصْلِ الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ حَيْثُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ كَعَقْدِ الْفُضُولِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْعَهْرُ الزِّنَا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَطِئَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَهُوَ زِنًا شَرْعِيٌّ لَا فِقْهِيٌّ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ وُجُوبُ الْحَدِّ لِأَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الزِّنَا الْفِقْهِيِّ كَمَا سَيَأْتِي وَلِأَنَّ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا تَعْيِيبُهُمَا إذْ النِّكَاحُ عَيْبٌ فِيهِمَا فَلَا يَمْلِكَانِهِ بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهُمَا وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَوْجَبَتْ فَكَّ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْكَسْبِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ النِّكَاحِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَيَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى وَتَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهَا لِمَا قُلْنَا

وَكَذَا الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا قَائِمٌ وَدَخَلَ فِي الْمُكَاتَبِ مُعْتَقُ الْبَعْضِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ وَدَخَلَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ابْنُهَا أَيْ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا كَمَا إذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ مِنْ زَوْجِهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ وَأَمَّا وَلَدُهَا مِنْ مَوْلَاهَا فَحُرٌّ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى كَأُمِّهِ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ بَابِ الِاسْتِيلَادِ لَوْ اشْتَرَى ابْنَ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ فَارَقَهَا فَزَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ مَعَ الْوَلَدَيْنِ فَالْجَارِيَةُ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَوَلَدُهُ حُرٌّ وَوَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ لَهُ بَيْعُهُ اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا حِينَ وَلَدَتْهُ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ.

وَأَطْلَقَ فِي نِكَاحِهِ فَشَمِلَ مَا إذَا تَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ وَمَا إذَا زَوَّجَهُ غَيْرُهُ وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لِلْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُدَبَّرِ حَرَامٌ مُطْلَقًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَلَك أَنْ تَقُولَ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَدَلٌ عَنْ الْبُضْعِ، وَإِنَّمَا صِيرَ إلَيْهِ لِلتَّقْدِيرِ بِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ فَجَوَابُهُ يَظْهَرُ مِنْ تَقْرِيرِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا هُنَا بَدَلٌ عَنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ إذْ مَنَافِعُهُ إنَّمَا قُوبِلَتْ بِالْخِنْزِيرِ وَبِالْإِسْلَامِ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْقِيمَةِ لِمَا مَرَّ فَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ.

قُلْتُ: وَاَلَّذِي قَرَّرَهُ قَاضِي خَانْ هُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ لَهَا حُكْمُ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ وَلِهَذَا لَوْ أَتَاهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ فَكَانَ وُجُوبُ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ مِنْ مُوجِبَاتِ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَالْإِسْلَامُ يُقَرِّرُ حُكْمَ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّمَا يُسْتَوْفَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ مَا لَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَمَّا قِيمَةُ الْخَمْرِ لَيْسَتْ مِنْ مُوجِبَاتِهَا فَتُسْتَوْفَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ اهـ.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْجَوَابَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ لَهَا حُكْمُ عَيْنِهِ وَإِنَّهَا مِنْ مُوجِبَاتِ التَّسْمِيَةِ فَفِيهِ مَنْعٌ لِكَوْنِ الْمَصِيرِ إلَيْهَا لِلتَّقْدِيرِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ الْقِيمَةَ فِيهَا لَيْسَتْ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّسْمِيَةِ وَحِينَئِذٍ فَمَنَاطُ الْفَرْقِ هَذَا تَأَمَّلْ وَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ فِي جَوَابِ النَّهْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَهُ وَارْجِعْ إلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الْعَاشِرِ آخِرَ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ عُشْرُ الْخَمْرِ لَا الْخِنْزِيرِ.

[بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ قَالُوا. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ تَزَوَّجَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتَوَقَّفُ نِكَاحُهَا بَلْ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لَهُ آنَ وُقُوعِهِ وَلَمْ أَظْفَرْ بِهَا صَرِيحَةً فِي كَلَامِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>