للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ الْأَوَّلِ وَذُكِرَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الصَّيْدِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْكَلْبِ فِي التَّعْلِيلِ قَالَ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِيهِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا جِلْدُ الْكَلْبِ فَعَنْ أَصْحَابِنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَطْهُرُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ جَعَلَهُ كَالْخِنْزِيرِ وَمَنْ جَعَلَهُ طَاهِرَ الْعَيْنِ جَعَلَهُ مِثْلَ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ سِوَى الْخِنْزِيرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَالَ: إنَّهُ أَقْرَبُ الْقَوْلَيْنِ إلَى الصَّوَابِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُنَا فِيمَنْ صَلَّى وَفِي كُمِّهِ جَرْوٌ أَنَّهُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَقَيَّدَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ الْجَوَازَ بِكَوْنِهِ مَشْدُودَ الْفَمِ اهـ.

وَلِذَا صَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ طَهَارَةَ عَيْنِهِ وَتَبِعَهُ شَارِحُوهَا كَالْأَتْقَانِيِّ وَالْكَاكِيِّ وَالسِّغْنَاقِيِّ وَاخْتَارَ قَاضِي خان فِي الْفَتَاوَى نَجَاسَةَ عَيْنِهِ وَفَرَّعَ عَلَيْهَا فُرُوعًا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيهِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ عُمُومُ مَا فِي الْمُتُونِ كَالْقُدُورِيِّ وَالْمُخْتَارِ وَالْكَنْزِ طَهَارَةَ عَيْنِهِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُوجِبُ نَجَاسَتَهَا فَوَجَبَ أَحَقِّيَّةُ تَصْحِيحِ عَدَمِ نَجَاسَتِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا وَقَدْ صَرَّحَ فِي عِقْدِ الْفَوَائِدِ شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى طَهَارَةِ عَيْنِهِ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ الْمَيِّتُ بِأَنْجَسَ مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَقَدْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَجَاسَةَ الْعَيْنِ تَثْبُتُ فِي الْكَلْبِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْكَلَامِ فَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَجَاسَةِ الْعَيْنِ، وَمَا أُورِدَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ طَهَارَةُ عَيْنِهِ، فَإِنَّ السِّرْقِينِ يُنْتَفَعُ بِهِ إيقَادًا وَتَقْوِيَةً لِلزَّارِعَةِ مَعَ نَجَاسَةِ عَيْنِهِ أَجَابَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ هَذَا الِانْتِفَاعَ بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي نَجِسِ الْعَيْنِ كَالِاقْتِرَابِ مِنْ الْخَمْرِ لِلْإِرَاقَةِ وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ: رَامِزًا لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَاَلَّذِي صَحَّ عِنْدِي مِنْ الرِّوَايَاتِ فِي النَّوَادِرِ وَالْأَمَالِي أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ اهـ.

وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ وَذَكَرَ فِي عِقْدِ الْفَوَائِدِ شَرْحَهَا وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا صَلَّى عَلَى جِلْدِ كَلْبٍ أَوْ ذِئْبٍ قَدْ ذُبِحَ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تُفِيدُ عَيْنَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ اهـ.

وَقَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَأَمَّا الْكَلْبُ يَحْتَمِلُ الذَّكَاةَ وَالدِّبَاغَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رَوَى الْحَسَنُ اهـ.

فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْجِلْدَ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ، وَيَطْهُرُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ، وَإِذَا وَقَعَ فِي بِئْرٍ وَاسْتُخْرِجَ حَيًّا تَنَجَّسَ الْمَاءُ كُلُّهُ مُطْلَقًا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا لَوْ وَقَعَ الْخِنْزِيرُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا إذَا وَصَلَ فَمَه الْمَاءُ، وَإِذَا ذُكِّيَ لَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ وَلَا لَحْمُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّجَاسَةِ كَالْخِنْزِيرِ وَيَطْهُرُ عَلَى الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ

وَإِذَا صَلَّى، وَهُوَ حَامِلٌ جَرْوًا صَغِيرًا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ مُطْلَقًا، وَتَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ بِكَوْنِهِ مَشْدُودَ الْفَمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَتَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ جَرْوًا صَغِيرًا يُظْهِرُ أَنَّ فِي الْكَبِيرِ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا لِمَا أَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَجِسَ الْعَيْنِ فَهُوَ مُتَنَجِّسٌ؛ لِأَنَّ مَأْوَاهُ النَّجَاسَاتُ، وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ صَلَاةُ مَنْ حَمَلَ جَرْوًا صَغِيرًا اتِّفَاقًا أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ؛ فَلِأَنَّ لَحْمَهُ نَجِسٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ سُؤْرَهُ نَجِسٌ لِمَا أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِلُعَابِهِ وَلُعَابُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهِ، وَهُوَ نَجِسٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: نَجَاسَةُ السُّؤْرِ دَلِيلُ نَجَاسَةِ اللَّحْمِ، وَقَالَ: الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ نَجَاسَةُ سُؤْرِهِ لَا تَسْتَلْزِمُ نَجَاسَةَ عَيْنِهِ بَلْ تَسْتَلْزِمُ نَجَاسَةَ لَحْمِهِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ اللُّعَابِ اهـ.

وَسَبَبُ نَجَاسَةِ لَحْمِهِ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ حَالَةَ الْحَيَاةِ مَعَ حُرْمَةِ أَكْلِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَيَانِ الْأَسْآرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ إشْكَالًا، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ عَنْ فَهْمِ كَلَامِهِمْ، فَإِنَّ

ــ

[منحة الخالق]

[اسْتِعْمَال جِلْد الْفِيل إذَا دُبِغَ]

(قَوْلُهُ: وَتَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ جَرْوًا صَغِيرًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَلْ قَيَّدُوا بِهِ لِوُقُوعِ التَّصْوِيرِ بِكَوْنِهِ فِي كُمِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>