للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَقَعُ بَائِنًا بَلْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ أَنْ لَا رَجْعَةَ تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ الْمَشْرُوعِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا وَصَفَهُ بِالْبَيْنُونَةِ وَلَمْ يَنْفِ الرَّجْعَةَ صَرِيحًا لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهَا نَفْيُ الرَّجْعَةِ ضِمْنًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا كَذَا أَفَادَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ اهـ.

وَهَكَذَا شَرَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَالتَّبْيِينِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ وُقُوعُ الْبَائِنِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ وَلَا دِرَايَةَ بِالْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُوَثِّقِينَ فِي التَّعَالِيقِ تَكُونُ طَالِقًا طَلْقَةً تَمْلِكُ بِهَا نَفْسَهَا لَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ وَأَجَابَ بِذَلِكَ عَلَى الْفَتْوَى مُسْتَدِلًّا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ كَانَ رَجْعِيًّا وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ كَمَا عَلِمْته الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَنْفِ الرَّجْعَةَ صَرِيحًا وَإِنَّمَا نَفَاهَا ضِمْنًا فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ كَانَ بَائِنًا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا إلَّا بِالْبَائِنِ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَيْسَ فِي الرَّجْعِيِّ مِلْكُهَا نَفْسَهَا، وَقَدْ أَوْسَعْت الْكَلَامَ فِيهَا فِي رِسَالَةٍ أَلَّفْتهَا حِينَ وَقَعَتْ الْحَادِثَةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

أَخَّرَهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ أَصْلٌ لَهُ لِكَوْنِهِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقَبْلَهُ بِالْعَوَارِضِ وَلِذَا قِيلَ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ وَقَدَّمْنَا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ (قَوْلُهُ: طَلَّقَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ) سَوَاءٌ قَالَ أَوْقَعْت عَلَيْك ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوَّلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ قِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةً، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْوَاقِعَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ مَصْدَرٌ مَوْصُوفٌ بِالْعَدَدِ أَيْ تَطْلِيقًا ثَلَاثًا فَتَصِيرُ الصِّيغَةُ الْمَوْضُوعَةُ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ مُتَوَقَّعًا حُكْمُهَا عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْت طَالِقٌ وَهَذِهِ وَهَذِهِ ثَلَاثًا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ آخِرًا يَصِيرُ مُلْحَقًا بِالْإِيقَاعِ أَوَّلًا كَيْ لَا يَلْغُوَ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَهَذِهِ وَهَذِهِ ثَلَاثًا طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ وَاحِدَةً، وَالثَّالِثَةُ ثَلَاثًا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَابِعَةٌ لِلسَّابِقَةِ، وَالثَّالِثَةُ مُفْرَدَةٌ بِعَدَدٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ ثَلَاثًا طَلُقَتْ الْأُولَى وَاحِدَةً، وَالثَّانِيَةُ، وَالثَّالِثَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِأَنَّ الْعَدَدَ صَارَ مُلْحَقًا بِالْإِيقَاعِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا قَالَ الْإِمَامُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ الثَّلَاثَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ ثُمَّ بَانَتْ بَعْدَهُ وَأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ يَتْبَعُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ، وَالْمَرْأَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَالَ الثَّانِي يَقَعُ وَاحِدَةً وَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْقَذْفَ فَصَلَ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالثَّلَاثِ وَتَمَامُهُ فِيهَا وَحَاصِلُهُ: أَنَّ يَا زَانِيَةُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالْعَدَدِ وَلَا بَيْنَ الْجَزَاءِ، وَالشَّرْطِ فَإِذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَعَلَّقَ بِالدُّخُولِ

ــ

[منحة الخالق]

أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَبَائِنٌ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ أَوْسَعْت الْكَلَامَ فِيهَا فِي رِسَالَةِ. . . إلَخْ) أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ الْمُؤَلَّفِ فِيهَا الرِّسَالَةُ هِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِزَوْجَتِهِ مَتَى ظَهَرَ لِي امْرَأَةٌ غَيْرُك أَوْ أَبْرَأْتِينِي مِنْ مَهْرِك فَأَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً تَمْلِكِينَ بِهَا نَفْسَك ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ مَهْرِهَا، وَقَدْ أَجَابَ الْمُؤَلِّفُ فِيهَا بِأَنَّهُ بَائِنٌ وَرَدَّ فِيهَا عَلَى مَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ رَجْعِيٌّ لَكِنْ قَالَ فِي الْمِنَحِ وَرُبَّمَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ مَا أَفْتَى بِهِ الْبَعْضُ مِنْ وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ طَلَّقْتُك تَطْلِيقَةً فَهِيَ بَائِنٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا يَقَعُ رَجْعِيًّا، قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يَسْبِقُ الْمَوْصُوفَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكَذَا ثُمَّ قَبْلَ دُخُولِهَا الدَّارَ قَالَ جَعَلْته بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا اهـ.

وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ وَقَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ أَقُولُ: هَذَا بَحْثُ الشَّيْخِ هُنَا، وَفِي مُصَنَّفِهِ الْمُسَمَّى بِمَعِينِ الْمُفْتِي عَلَى جَوَابِ الْمُسْتَفْتِي وَسَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا أَيْضًا مَعَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعَالِيقُ الطَّلَاقُ الْمَوْصُوفُ بِالْبَيْنُونَةِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ الْمُعَلَّقُ وَصْفُ الْبَيْنُونَةِ فَقَطْ، وَالْمَوْصُوفُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ فَهُوَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعَالِيقِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا وَلَا قَائِلَ بِمَنْعِهِ تَأَمَّلْ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ.

[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ]

(قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ الثَّلَاثَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا حَدَّ هُنَا لِأَنَّ الْقَذْفَ وَقَعَ عَلَيْهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ وَقَذْفُ الزَّوْجَةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ اللِّعَانَ أَثَرُهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لِحُصُولِهِ بِالْإِبَانَةِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ حُكْمِهِ. (قَوْلُهُ: تَعَلَّقَ بِالدُّخُولِ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَعُودُ إلَى كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ: يَا زَانِيَةُ وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ قَالَ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ فِي بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ الْبَعْضِ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ بِأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>