للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّائِلَ عَنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَعْنِي عَنْ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَالْحَامِلِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأُخْرِجَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: ٤] إنْ لَمْ تَعْلَمُوا الْحَيْضَ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ يُكْتَفَ بِقَوْلِهِ {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: ٤] عَمَّا قَبْلَهَا قُلْت الْآيِسَةُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا حَاضَتْ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ قَوْلِهِ {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: ٤] ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا حَيْضَ لَهُنَّ أَصْلًا إمَّا لِلصِّغَرِ أَوْ بَلَغَتْ وَلَمْ تَحِضْ فَلِذَا أَفْرَدَهَا.

(قَوْلُهُ وَلِلْمَوْتِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) أَيْ: عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بَعْدَ نِكَاحٍ صَحِيحٍ إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] أَيْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ عَدَدَ الْأَيَّامِ أَوْ اللَّيَالِيِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْآخَرِ وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ إنَّ الْعِدَّةَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ أَخْذًا مِنْ تَذْكِيرِ الْعَدَدِ أَعْنِي الْعَشْرَ فِي الْكِتَابِ كَمَا سَمِعْت، وَفِي السُّنَّةِ فِي حَدِيثِ «لَا حِدَادَ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ جَازَ هَكَذَا فَرَّعَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَلَى قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ وَتَبِعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ حُكِيَ عَنْ الْفَضْلِيِّ كَقَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَ وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ قَالَ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْعَشْرَ مُذَكَّرًا وَجَمَعَ اللَّيَالِيَ بِذِكْرِ لَفْظِ التَّذْكِيرِ وَجَمَعَ الْأَيَّامَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ فَعَلَى قَوْلِهِ تَزِيدُ الْعِدَّةُ بِلَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ اهـ.

فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ اللَّيَالِيَ إنَّمَا زَادَ لَا أَنَّهُ نَقَصَ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَتَرَبَّصَتْ الْأَهِلَّةَ الْأَرْبَعَةَ فَإِنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي بِمُضِيِّ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ الْخَامِسِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ اللَّيْلَةِ الَّتِي بَعْدَ الْعَاشِرِ عَلَى قَوْلِ الْفَضْلِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ تَنْقَضِي بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَحْوَطُ، وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْعَشْرَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ عَشْرُ لَيَالٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ اهـ.

وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْعَدَدَ إنَّمَا يَكُونُ عَكْسَ الْمَعْدُودِ تَذْكِيرًا وَتَأْنِيثًا حَيْثُ كَانَ الْمَعْدُودُ مَذْكُورًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَحْذُوفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ التَّاءِ فِي الْعَدَدِ الَّذِي مَعْدُودُهُ مُذَكَّرٌ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ» كَذَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْأَلْفِيَّةِ وَذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَالنُّكْتَةُ فِي عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالتَّاءِ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ أَنَّ هَذِهِ أَيَّامُ الْحُزْنِ

ــ

[منحة الخالق]

[عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا]

(قَوْلُهُ أَيْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي أَنَّ تَمْيِيزَ عَشْرًا هُوَ الْأَيَّامُ لَا اللَّيَالِي لَكِنَّ بِنَاءَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُقَدَّرَ فِي الْآيَةِ اللَّيَالِي لَا الْأَيَّامُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي الْجَوَابِ عَنْ كَلَامِ الْأَوْزَاعِيِّ قُلْنَا: الِاسْتِعْمَالُ فِي مِثْلِهِ أَنَّ بِذِكْرِ عِدَّةِ اللَّيَالِيِ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي التَّارِيخِ حَيْثُ يُكْتَبُ بِاللَّيَالِيِ فَيُقَالُ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مَثَلًا وَيُرَادُ كَوْنُ عِدَّةِ الْأَيَّامِ كَذَلِكَ اهـ.

فَهَذَا كَمَا تَرَى مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ كَوْنِ الْمُقَدَّرِ اللَّيَالِيَ لَا الْأَيَّامَ وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَتَأْنِيثُ الْعَشَرَةِ بِاعْتِبَارِ اللَّيَالِي لَعَلَّ صَوَابَهُ وَتَذْكِيرُ الْعَشْرِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ هَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْقِيَاسُ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ حَيْثُ كَانَ الْمَعْدُودُ مَحْذُوفًا كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ اللَّيَالِيَ إلَخْ) أَيْ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ فَعَلَى قَوْلِهِ تَزِيدُ الْعِدَّةُ بِلَيْلَةٍ وَجَعْلُهُ إيَّاهُ الِاحْتِيَاطَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا صَوَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ بِمَا إذَا مَاتَ قُبَيْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا مَوْتَهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَتَرَبَّصَتْ الْأَهِلَّةَ الْأَرْبَعَةَ فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِمُضِيِّ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ اللَّيَالِيِ أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْأَيَّامِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ اللَّيَالِي تَارَةً تَزِيدُ فِيهِ الْعِدَّةُ بِلَيْلَةٍ وَتَارَةً تَنْقُصُ بِيَوْمٍ وَكَانَ مُرَادُ الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ فَقَطْ وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْمَشْهُورِ فِي غَيْرِهَا ثُمَّ رَأَيْت فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا نَصُّهُ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ لِزِيَادَةِ لَيْلَةٍ كَمَا فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ زِيَادَتَهَا مَحَلُّ تَأَمُّلٍ اهـ.

وَكَانَ مُرَادُهُ بِالتَّأَمُّلِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ.

(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ التَّاءِ فِي الْعَدَدِ إلَخْ) اُقْتُصِرَ عَلَى تَرْكِ التَّاءِ لِكَوْنِ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا فِي الْعَدَدِ الَّذِي مَعْدُودُهُ مُؤَنَّثٌ قَالَ الشَّمْسُ مُحَمَّدٌ الدَّاوُدِيُّ فِي حَوَاشِي ابْنِ عَقِيلٍ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُسْتَاذَ الصَّفَوِيَّ نَقَلَ فِي شَرْحِ كَافِيَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا أَنَّ زِيَادَةَ التَّاءِ لِلْمُذَكَّرِ وَتَرْكَهَا لِلْمُؤَنَّثِ إنَّمَا يَجِبُ إذَا كَانَ الْمُمَيِّزُ مَذْكُورًا بَعْدَ اسْمِ الْعَدَدِ، وَأَمَّا إذَا حُذِفَ أَوْ قُدِّمَ وَجُعِلَ اسْمُ الْعَدَدِ صِفَةً فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ فِي اسْمِ الْعَدَدِ إلْحَاقُ التَّاءِ وَحَذْفُهَا مَعَ كُلٍّ مِنْ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَقَالَ الصَّفَوِيَّ: فَاحْفَظْهَا فَإِنَّهَا عَزِيزَةٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهَا الشَّنَوَانِيُّ فِي حَوَاشِي الْآجُرُّومِيَّةِ قَوْلَ مُؤَلِّفِهَا وَالْمُضَارِعُ مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ إحْدَى الزَّوَائِدِ الْأَرْبَعِ وَالزَّوَائِدُ جَمْعُ زَائِدَةٍ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَحَدَ الزَّوَائِدِ وَالْعَلَّامَةُ الْغُنَيْمِيُّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ وَإِلَّا فَلَا مَحَلَّ لِقَوْلِ الْأَكْمَلِ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ سِتٌّ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>