للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدِهِمَا فَإِذَا فَاتَ الْعِوَضُ بِمَعْنَى مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْعِوَضُ سَقَطَ فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَعِوَضٌ مِنْ وَجْهٍ صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا اُعْتُبِرَ عِوَضًا مَتَى جَاءَ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ وَصِلَةٌ مَتَى جَاءَتْ بِحَقٍّ.

(قَوْلُهُ وَرِدَّتُهَا بَعْدَ الْبَتِّ تُسْقِطُ نَفَقَتَهَا لَا تَمْكِينُ ابْنِهِ) يَعْنِي لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا، ثُمَّ ارْتَدَّتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَا تَسْقُطُ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا بِالطَّلَاقِ لَا مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ فَلِهَذَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَوْ لَمْ تُحْبَسْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُحِيطِ كَالْمُمَكِّنَةِ، وَالْمُمَكِّنَةُ إذَا لَمْ تَلْزَمْ بَيْتَ الْعِدَّةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا، فَلَيْسَ لِلرِّدَّةِ أَوْ التَّمْكِينِ دَخْلٌ فِي الْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهِ، بَلْ إنْ وُجِدَ الِاحْتِبَاسُ فِي بَيْتِ الْعِدَّةِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ حُبِسَتْ الْمُعْتَدَّةُ لِلرِّدَّةِ، ثُمَّ تَابَتْ وَرَجَعَتْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِعَوْدِ الِاحْتِبَاسِ كَالنَّاشِزَةِ إذَا عَادَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِخِلَافِ الْمُبَانَةِ بِالرِّدَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ لَا تَعُودُ نَفَقَتُهَا لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا أَصْلًا بِمَعْصِيَتِهَا وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ، وَلَوْ لَحِقَتْ بِدَارُ الْحَرْبِ، ثُمَّ عَادَتْ وَتَابَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِسُقُوطِ الْعِدَّةِ بِالِالْتِحَاقِ حُكْمًا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ، قُيِّدَ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ رَجْعِيٍّ إذَا طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ بِالطَّلَاقِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ بِسَبَبٍ وُجِدَ مِنْهَا وَهُوَ مَعْصِيَتُهَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْبَائِنَ بِالْوَاحِدَةِ أَوْ بِالثَّلَاثِ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالثَّلَاثِ اتِّفَاقِيٌّ، وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا يَوْمَ الطَّلَاقِ، فَلَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ أَبَدًا إلَّا النَّاشِزَةَ كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ إذَا لَمْ يُبَوِّئْهَا الْمَوْلَى بَيْتًا اهـ.

ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ مُبَوَّأَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ فَإِنْ أَخْرَجَهَا الْمَوْلَى بَطَلَتْ فَإِنْ أَعَادَهَا عَادَتْ النَّفَقَةُ فَلَوْ بَوَّأَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ بِخِلَافِ الْمُبَانَةِ

[النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ]

(قَوْلُهُ وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] فَهِيَ عِبَارَةٌ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْمَنْكُوحَاتِ إشَارَةً إلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَبِ وَأَنَّ النَّسَبَ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِهِ فَلَا يُقْتَلُ قِصَاصًا بِقَتْلِهِ وَلَا يُحَدُّ بِوَطْءِ جَارِيَتِهِ وَإِنْ عَلِمَ بِحُرْمَتِهَا وَأَنَّ الْأَبَ يَنْفَرِدُ بِتَحَمُّلِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَأَنَّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ غَنِيًّا وَالْأَبُ مُحْتَاجًا لَمْ يُشَارِكْ الْوَلَدَ أَحَدٌ فِي نَفَقَةِ الْوَالِدِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ قَيَّدَ بِالطِّفْلِ وَهُوَ الصَّبِيُّ حِينَ يَسْقُطُ مِنْ الْبَطْنِ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ، وَيُقَالُ جَارِيَةٌ طِفْلٌ وَطِفْلَةٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الطِّفْلَ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ وَلِذَا عَبَّرَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ إلَّا بِشُرُوطٍ نَذْكُرُهَا وَقَيَّدَ بِالْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْحُرِّيَّةِ لِمَا أَسْلَفْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَمْلُوكَ نَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ حُرًّا كَانَ الْأَبُ أَوْ عَبْدًا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا وَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ وَالصَّغِيرُ غَنِيَّيْنِ فَإِنَّ الْأَبَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ مَالُ الصَّغِيرِ غَائِبًا وَجَبَتْ عَلَى الْأَبِ فَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَلَوْ أَنْفَقَ بِلَا أَمْرِهِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ لَكِنَّهُ أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ فِي الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ عَقَارٌ أَوْ أَرْدِيَةٌ أَوْ ثِيَابٌ وَاحْتِيجَ إلَى النَّفَقَةِ كَانَ لِلْأَبِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِالطِّفْلِ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْبَالِغَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَظَرٌ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالطِّفْلِ الْعَاجِزَ عَنْ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ حَدَّ التَّكَسُّبِ وَلَمْ يَبْلُغْ فِي نَفْسِهِ لَا تَجِبُ عَلَى أَبِيهِ، بَلْ يُؤَجَّرُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ قَرِيبًا هَذَا، وَقَدْ قَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَبْقَى هَذَا الِاسْمُ لِلْوَلَدِ حَتَّى يُمَيِّزَ، ثُمَّ لَا يُقَالُ لَهُ بَعْدُ طِفْلٌ، بَلْ صَبِيٌّ وَخَرُورٌ وَيَافِعٌ وَمُرَاهِقٌ وَبَالِغٌ وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ هُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ فِي بِلَادِنَا وَالْمَشْهُورُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَعَلَيْهِ تَحْصُلُ غَايَةُ الْمُنَاسَبَةِ فِي الشَّرْحِ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالطِّفْلِ الْعَاجِزَ عَنْ الْكَسْبِ إلَخْ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَالُ الصَّغِيرِ غَائِبًا إلَخْ) أَقُولُ: وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لَا مَالَ لَهُ غَيْرَ أَنَّ لَهُ اسْتِحْقَاقًا فِي غَلَّةِ وَقْفٍ هَلْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَالِهِ الْغَائِبِ أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا مَالَ لَهُ أَصْلًا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ حَتَّى إذَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْقَاضِي لَهُ الرُّجُوعُ فَلْيُتَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ عَقَارٌ إلَخْ) أَقُولُ: وَمِثْلُ الْأَبِ فِي ذَلِكَ الْأُمُّ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى إذَا أَمَرَ الْقَاضِي أُمَّهُمْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ سِوَى حِصَّةٍ مِنْ دَارٍ يَسْكُنُونَهَا هَلْ تُبَاعُ فِي نَفَقَتِهِمْ أَمْ لَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا تُبَاعُ فِي ذَلِكَ وَتُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ ثَمَنِهَا وَالسُّكْنَى مِنْ النَّفَقَةِ، وَإِذَا فَرَغَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا رَمْلِيٌّ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ إلَخْ إذْ كَانَ الصَّغِيرُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِسُكْنَى عَقَارِهِ وَلُبْسِ ثِيَابِهِ وَأَرْدِيَتِهِ لَا فَائِدَةَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>