للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَهَا بِالْعَقْدِ لِاحْتِبَاسِهَا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لَهُ، وَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِاتِّحَادِ الْمِلَّةِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ ثَابِتَةٌ وَجُزْءُ الْمَرْءِ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَكَمَا لَا تَمْتَنِعُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ بِكُفْرِهِ لَا تَمْتَنِعُ نَفَقَةُ جُزْئِهِ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حَرْبِيَّيْنِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانُوا مُتَسَاوِيَيْنِ؛ لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ الْبِرِّ فِي حَقِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا فِي الدِّينِ أَطْلَقَ فِي الْوِلَادِ فَشَمِلَ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدَ وَوَلَدَ الْوَلَدِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى صُورَتُهُ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً وَحَصَلَ لَهُمَا وَلَدٌ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ الذِّمِّيَّةُ حُكِمَ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهَا وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ، وَهَذَا قَبْلَ عُرُوضِ الْإِسْلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْتَقِدَ الْكُفْرَ فِي صِغَرِهِ، وَكُفْرُهُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اهـ.

وَقَيَّدَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ؛ لِأَنَّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ مُوجِبَةٌ لِلصِّلَةِ وَمَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الدِّينِ آكَدُ وَدَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ أَعْلَى فِي الْقَطِّيَّةِ مِنْ حِرْمَانِ النَّفَقَةِ فَاعْتَبَرْنَا فِي الْأَصْلِ أَصْلَ الْعِلَّةِ وَفِي الْأَدْنَى الْعِلَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فَلِهَذَا افْتَرَقَا.

(قَوْلُهُ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ أَحَدٌ) أَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَقَدَّمْنَاهَا، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ فَلِأَنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ بِالنَّصِّ وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمَا فِي مَالِ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا فَكَانَ الْأَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ نَفَقَتِهِمَا عَلَيْهِ أَطْلَقَ فِي الْأَبِ فَشَمِلَ الْمُوسِرَ وَالْمُعْسِرَ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالْأُمُّ مُوسِرَةً أُمِرَتْ أَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا عَلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ دَيْنًا تَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ فَكَانَتْ الْأُمُّ قَاضِيَةً حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ، ثُمَّ جَعَلَ الْأُمَّ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالْأُمُّ مُوسِرَةً وَلِلصَّغِيرِ جَدٌّ مُوسِرٌ تُؤْمَرُ الْأُمُّ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ وَلَا يُؤْمَرُ الْجَدُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْغَيْرِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ وَاجِدًا لِلنَّفَقَةِ لَكِنْ امْتَنَعَ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الصَّغِيرِ فَفَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ فَامْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُهَا أَنْ تَسْتَدِينَ عَلَيْهِ وَتُنْفِقَ عَلَى الْغَيْرِ لِتَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَابَ الْأَبُ بَعْدَ فَرْضِ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ وَتَرَكَهُمْ بِلَا نَفَقَةٍ فَاسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِمْ رَجَعَتْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي مُؤْنَةِ الرَّضَاعِ إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْأُمَّ بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِذَا أَيْسَرَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالْقَدْرِ الَّذِي أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَدِنْ بَعْدَ الْفَرْضِ لَكِنْ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ فَلَا رُجُوعَ لَهَا لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ فَإِنْ كَانُوا أُعْطُوا مِقْدَارَ نِصْفِ الْكِفَايَةِ سَقَطَ نِصْفُ النَّفَقَةِ عَنْ الْأَبِ وَتَصِحُّ الِاسْتِدَانَةُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَكَذَا فِي نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ.

وَلَوْ كَانَ لِلْفَقِيرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ لَمْ تُفْرَضْ النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ الْجَدُّ بِالْإِنْفَاقِ صِيَانَةً لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى وَالِدِ الصِّغَارِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فَلَمْ يَجْعَلْ النَّفَقَةَ

ــ

[منحة الخالق]

[النَّفَقَة مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ]

(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُسْتَصْفَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَنْحَصِرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ إذَا كَانَ الْأَبُ أَوْ الِابْنُ مُقْعَدًا أَوْ أَعْمَى أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ بِوَجْهٍ يُلْحَقُ بِالطِّفْلِ فَلَوْ أَسْلَمَ الْكَبِيرُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَكَانَ بِوَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ يَجِبُ نَفَقَتُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَإِطْلَاقُ الْمَتْنِ يَشْمَلُهُ كَغَيْرِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُسْلِمُ عَلَى نَفَقَةِ الْكَافِرِ مِنْ قَرَابَتِهِ وَلَا الْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ قَرَابَتِهِ إلَّا الزَّوْجَةَ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدَ. اهـ.

أَطْلَقَ فِي الْوَلَدِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِوَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ أَحَدٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْوَلَدَ الْبَالِغَ وَهُوَ جَوَابُ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْمَقُولَةِ أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ تَجِبُ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الْبَالِغِينَ أَثْلَاثًا اهـ.

أَقُولُ: وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَبِ مَا يَشْمَلُ الْجَدَّ وَبِالْوَلَدِ مَا يَشْمَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ فَفِي الْبَدَائِعِ وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَالِدَيْهِ أَحَدٌ، وَكَذَا فِي نَفَقَةِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبَوَيْنِ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ أَحَدٌ، وَكَذَا لَا يُشَارِكُ الْجَدَّ أَحَدٌ فِي نَفَقَةِ وَلَدِ وَلَدِهِ عِنْدَ عَدَمِ وَلِيِّهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ جَعَلَ الْأُمَّ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي أَنَّ الْأَبَ الْمُعْسِرَ كَالْمَيِّتِ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ أَبٌ وَلَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ أَبُو أَبٍ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَالْمُتُونُ أَنَّهَا عَلَى الْأَبِ وَتَسْتَدِينُ الْأُمُّ وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ عَلَى الْجَدِّ وَهَلْ يَسْتَدِينُ عَلَى الْأَبِ وَيَرْجِعُ فِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا، وَأَمَّا الْأُمُّ فَتَسْتَدِينُ وَتَرْجِعُ فَتَأَمَّلْ وَفِي الصُّغْرَى امْرَأَةٌ لَهَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا مَالَ لَهُ وَلِلْمَرْأَةِ فَاسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَبَلَغَ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْمَسْأَلَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ كَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>