للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَنِثَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَيَّدْنَاهَا بِالصِّدْقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَشَّرَهُ كَذِبًا لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ ظَهَرَ فِي بَشَرَةِ الْوَجْهِ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ لَكِنَّهُ قَدْ زَالَ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَخْبَرَنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَكَذَا فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ كَذِبًا فَإِنَّهُ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكَذِبِ وَالصِّدْقِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ أَخْبَرَنِي بِقُدُومِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الصِّدْقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَفِي الْبِشَارَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَاءِ أَوْ لَا بِخِلَافِ الْخَبَرِ، وَقَدْ عُلِمَ الْفَرْقُ فِي بَحْثِ الْبَاءِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْكِتَابَةُ كَالْخَبَرِ فَلَوْ قَالَ إنْ كَتَبْت أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَكَذَا فَكَتَبَ كَذِبًا عَتَقَ؛ لِأَنَّهَا جَمَعَ الْحُرُوفَ وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ إنْ كَتَبْت بِقُدُومِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قُدُومِهِ حَقِيقَةً فَلَوْ كَتَبَ بِقُدُومِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ، وَقَدْ قَدِمَ حَقِيقَةً عَتَقَ بَلَغَ الْخَبَرُ إلَى الْحَالِفِ أَوْ لَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا الْإِعْلَامُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَالْكَذِبُ لَا يُفِيدُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَاءِ أَوْ لَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَخَرَجَ الْخَبَرُ الضَّارُّ فَلَيْسَ بِبِشَارَةٍ عُرْفًا، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ بِشَارَةً فِي قَوْله تَعَالَى {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: ٢١] ؛ لِأَنَّهُ بِشَارَةٌ لُغَةً، وَالْكَلَامُ فِي الْعُرْفِ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَوَّلُ مَنْ بَشَّرَنِي بِقُدُومِ فُلَانٍ مِنْ عَبِيدِي فَهُوَ حُرٌّ فَأَرْسَلَ بَعْضَ عَبِيدِهِ عَبْدًا آخَرَ فَقَالَ قُلْ لِلْمَوْلَى إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك قَدْ قَدِمَ فُلَانٌ فَأَبْلَغَهُ ذَلِكَ الْعَبْدُ قَالَ يُعْتَقُ الْمُرْسِلُ دُونَ الرَّسُولِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ قَالَ الرَّسُولُ إنَّ فُلَانًا قَدْ قَدِمَ، وَلَمْ يَقُلْ أَرْسَلَنِي إلَيْك فُلَانٌ عَبْدُك بِكَذَا عَتَقَ الرَّسُولُ دُونَ الْمُرْسِلِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا) لِتَحَقُّقِهَا مِنْ الْجَمِيعِ قَالَ تَعَالَى {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: ٢٨] .

قَوْلُهُ (وَصَحَّ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ لَا شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ نَفْسَ الشِّرَاءِ إعْتَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهُ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ فَصَادَفَ النِّيَّةُ الْعِلَّةَ فَأَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةَ، وَأَمَّا شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةً عَنْ يَمِينِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ، وَهِيَ الْيَمِينُ فَأَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطُهُ، وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الظِّهَارِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُرَادِهِ هُنَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: أُمُّ الْوَلَدِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأُمَّةِ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْت حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنَّهَا تُعْتَقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالِاسْتِيلَادِ فَلَا تُضَافُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِقِنَّةٍ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي حَيْثُ يُجْزِئُهُ عَنْهَا إذَا اشْتَرَاهَا؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَلَمْ تَخْتَلَّ الْإِضَافَةُ إلَى الْيَمِينِ، وَقَدْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ، وَرِقُّ الْمُعْتَقِ كَامِلٌ صَحَّ التَّكْفِيرُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُهُمْ هُنَا أَنَّ الْيَمِينَ عِلَّةُ الْعِتْقِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْكُلِّ، وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ الْجَزَاءُ، وَهُوَ أَنْتَ حُرٌّ لَا مَجْمُوعُ الْيَمِينِ مِنْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَقَيَّدَ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ قَرِيبَهُ وَنَوَاهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِ فِعْلٌ حَتَّى يُجْعَلَ تَحْرِيرًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ وُهِبَ لَهُ قَرِيبُهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِ أَوْ جُعِلَ مَهْرًا لَهَا فَنَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَ قَبُولِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ صَادَفَتْ الْعِلَّةَ الِاخْتِيَارِيَّةَ بِخِلَافِ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ جَبْرِيٌّ، وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا صَرِيحًا، وَكَلَامُهُمْ يُفِيدُهُ دَلَالَةً.

قَوْلُهُ (إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ صَحَّ لَوْ فِي مِلْكِهِ وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ فَقَدْ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهَا لِمُصَادَفَتِهَا الْمِلْكَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مُنْكَرَةٌ فِي هَذَا الشَّرْطِ فَتَتَنَاوَلُ لِكُلِّ جَارِيَةٍ عَلَى الِانْفِرَادِ. وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَتَسَرَّاهَا فَإِنَّهَا لَا تُعْتَقُ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ التَّسَرِّي لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِمِلْكٍ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ التَّزَوُّجُ مَذْكُورًا، وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَصِيرُ مَذْكُورًا ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّسَرِّي، وَهُوَ شَرْطٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْجَزَاءِ

ــ

[منحة الخالق]

[اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَكَانَ قَدْ قَالَ آخَرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ]

(قَوْلُهُ: فَفِي الْبِشَارَةِ لَا فَرْقَ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُكَلِّمُهُ فَنَادَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِعْلَامُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ إنْ أَخْبَرْتنِي أَنَّ زَيْدًا قَدِمَ فَكَذَا حَنِثَ بِالْكَذِبِ كَذَا إنْ كَتَبْت إلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ، وَفِي بَشَّرْتنِي أَوْ أَعْلَمْتنِي يُشْتَرَطُ الصِّدْقُ وَجَهْلُ الْحَالِفِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْأُولَيَيْنِ الدَّالُ عَلَى الْمُخْبَرِ وَجَمْعِ الْحُرُوفِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ إفَادَةُ الْبِشْرِ وَالْعِلْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِقُدُومِهِ؛ لِأَنَّ بَاءَ الْإِلْصَاقِ تَقْتَضِي الْوُجُودَ، وَهُوَ بِالصِّدْقِ وَيَحْنَثُ بِالْإِيمَاءِ فِي أَعْلَمْتنِي وَبِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ فِي الْكُلِّ قَوْلُهُ: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: ٢٨] كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَالنَّهْرِ وَالتِّلَاوَةُ وَبَشَّرُوهُ بِالْوَاوِ.

[شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ]

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ قَرِيبُهُ إلَخْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>