للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ احْتِمَالٍ آخَرَ وَهُوَ إنِّي زَنَيْت بِحُضُورِك وَأَنْتَ تَشْهَدُ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ زَادَتْ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ غَيْرَ أَنَّهَا صَدَّقَتْهُ فَبَطَلَ مُوجِبُ قَذْفِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْهَا فَوَجَبَ مُوجِبُ قَذْفِهَا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَصْدِيقِهَا وَعَدَمِ الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ الزَّوْجَةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهَا زَنَيْت بِك؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ أَنْت أَزْنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ وَحْدَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ.

قَوْلُهُ (: وَإِنْ أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ لَاعَنَ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ وَبِالنَّفْيِ بَعْدَهُ صَارَ قَاذِفًا فَيُلَاعِنُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَكَسَ حُدَّ) أَيْ إنْ نَفَى الْوَلَدَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَطَلَ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ ضَرُورِيٌّ صَيَّرَ إلَيْهِ ضَرُورَةُ التَّكَاذُبِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ، فَإِذَا بَطَلَ التَّكَاذُبُ يُصَارُ إلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ:، وَالْوَلَدُ لَهُ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ نَفَاهُ أَوْ نَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا، وَاللَّعَّانُ يَصِحُّ بِدُونِ قَطْعِ النَّسَبِ كَمَا يَصِحُّ بِدُونِ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك بَطَلَا) أَيْ الْحَدُّ، وَاللَّعَّانُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ وَبِهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ وَلَا فُلَانَةَ وَهُمَا أَبَوَيْهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

[قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ بِغَيْرِ وَلَدٍ]

(قَوْلُهُ: وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً لَمْ يَدْرِ أَبُو وَلَدِهَا أَوْ لَاعَنَتْ بِوَلَدِ أَوْ رَجُلًا وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً أَوْ مُسْلِمًا زِنَا فِي كُفْرِهِ أَوْ مُكَاتَبًا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَا يُحَدُّ) بَيَانٌ لِسِتِّ مَسَائِلَ إلَّا الْأُولَيَانِ فَلِقِيَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا وَهُوَ وِلَادَةُ وَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ نَظَرًا إلَيْهَا وَهِيَ شَرْطٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا عِنْدَ الْقَذْفِ أَوْ مَيِّتًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ إذْ لَوْ قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ بِغَيْرِ وَلَدٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِانْعِدَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَاعَنَتْ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ اللِّعَانِ حَتَّى لَوْ بَطَلَ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا رَجُلٌ حُدَّ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ ادَّعَاهُ وَهُوَ يُنْكِرُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَيُحَدُّ وَمَنْ قَذَفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ صُورَةِ الزَّوَانِي وَلَوْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ فَرَافَعَتْهُ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ أَوْ بِمُعَايَنَةٍ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْطَعَ الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ حَتَّى لَوْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَقْطَعْ الْقَاضِي النَّسَبَ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ أَبِي وَلَدِهَا عَدَمُهَا فِي بَلَدِ الْقَذْفِ لَا فِي كُلِّ الْبِلَادِ وَلِذَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ امْرَأَةٌ قُذِفَتْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَمَعَهَا أَوْلَادٌ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ أَبٌ فَقَالَ لَهَا رَجُلٌ يَا زَانِيَةُ إلَخْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ صَحَّ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فِي حَدِيثِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ قَوْلِهِ «وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ» وَكَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَلَدِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُ يَرِثُ أُمَّهُ وَتَرِثُهُ وَمَنْ رَمَاهَا بِهِ جُلِدَ ثَمَانِينَ» أَشْكَلَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ جَعَلُوا قَذْفَ الْمُلَاعَنَةِ بِوَلَدٍ كَقَذْفِ الْمُلَاعَنَةِ بِلَا وَلَدٍ إلَى آخِرِهِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ، وَالرَّابِعَةُ أَعْنِي إذَا قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ الْمَقْذُوفُ امْرَأَةً فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً فَلِفَوَاتِ الْعِفَّةِ وَهِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّ الْقَاذِفَ صَادِقٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا، وَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ، وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِطُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لِتَكُونَ ثَابِتَةً

ــ

[منحة الخالق]

أَيْ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَلَوْ قَالَتْ كَذَا فِي جَوَابِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ وَحْدَهُ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ أَوَائِلَ الْبَابِ عَنْ الْخَانِيَّةِ مُخَالِفًا لِلظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِأَنْتَ أَزَنَى مِنِّي أَمَّا عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، فَإِنَّهَا تُحَدُّ بِقَوْلِهَا ذَلِكَ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ بِهِ هُوَ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَدَمُهُ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهَا أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي قَذْفٌ لَهُ صَرِيحًا بِنَاءً عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ هَلْ يُقَالُ: إنَّ فِيهِ تَصْدِيقًا لَهُ فَتُحَدُّ وَحْدَهَا دُونَهُ كَمَا لَوْ قَالَتْ زَنَيْت بِك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ مِنْ اقْتِضَائِهِ الْمُشَارَكَةَ وَالزِّيَادَةَ أَمْ لَا فَلْيُرَاجَعْ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

[أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ]

(قَوْلُهُ: أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ) مِثَالُهُ حُرْمَةُ وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ لِلْأَبِ بِلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>