للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي بَكْرٍ أَسَاءَ عَبْدُهُ لَا يُعَزِّرُهُ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَلَهُ التَّعْزِيرُ دُونَ الْحَدِّ وَبِهِ نَأْخُذُ وَكَذَلِكَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: ٣٤] . اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(كِتَابُ السَّرِقَةِ) .

لَمَّا كَانَتْ صِيَانَةُ الْأَمْوَالِ مُؤَخَّرَةً عَنْ صِيَانَةِ النُّفُوسِ وَالْعُقُولِ وَالْأَعْرَاضِ أُخِّرَ زَاجِرُ ضَيَاعِهَا وَهِيَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ فِي خَفَاءٍ وَحِيلَةٍ يُقَالُ سَرَقَ مِنْهُ مَالًا وَسَرَقَهُ مَالًا سَرَقًا وَسَرِقَةً وَيُسَمَّى الشَّيْءُ الْمَسْرُوقُ سَرِقَةً مَجَازًا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَلَهَا تَعْرِيفَانِ تَعْرِيفٌ بِاعْتِبَارِ الْحُرْمَةِ وَتَعْرِيفٌ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الْقَطْعُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا أَوْ لَا أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (هُوَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ خُفْيَةً قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ مُحْرَزَةٍ بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ) أُطْلِقَ فِي الْأَخْذِ فَشَمِلَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ فَالْأَوَّلُ هُوَ أَنْ يَتَوَلَّى السَّارِقُ أَخْذَ الْمَتَاعِ بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي هُوَ أَنْ يَدْخُلَ جَمَاعَةٌ مِنْ اللُّصُوصِ مَنْزِلَ رَجُلٍ وَيَأْخُذُوا مَتَاعَهُ وَيَحْمِلُوهُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَيُخْرِجُوهُ مِنْ الْمَنْزِلِ، فَإِنَّ الْكُلَّ يُقْطَعُونَ اسْتِحْسَانًا وَسَيَأْتِي فَخَرَجَ بِالتَّكْلِيفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا فَهُمَا مَخْصُوصَانِ مِنْ آيَةِ السَّرِقَةِ لَكِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ، فَإِنْ سَرَقَ فِي حَالِ جُنُونِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ قُطِعَ وَلَوْ سَرَقَ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ يُدْرَأُ عَنْهُمْ الْقَطْعُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَلَوْ آبِقًا وَالْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْخُفْيَةِ مَا أُخِذَ جَهْرًا مُغَالَبَةً أَوْ نَهْبًا أَوْ اخْتِلَاسًا، فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ الْأَخْذَ خُفْيَةً إلَى أَنَّ الشَّرْطَ الْخُفْيَةُ وَقْتَ الْأَخْذِ أَوْ دُخُولُ الْحِرْزِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا، وَأَمَّا الْخُفْيَةُ فِي الِانْتِهَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ فَهِيَ شَرْطٌ أَيْضًا وَمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ مِنْ النَّهَارِ.

وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ دَخَلَ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ وَالنَّاسُ مُنْتَشِرُونَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّهَارِ وَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ لَيْلًا فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْبَيْتَ لَيْلًا خُفْيَةً ثُمَّ أَخَذَ الْمَالَ مُجَاهَرَةً وَلَوْ بَعْدَ مُقَاتَلَةِ مَنْ فِي يَدِهِ قُطِعَ بِهِ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْخُفْيَةِ الْأُولَى وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُهَا خُفْيَةً عَلَى زَعْمِ السَّارِقِ أَوْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَهِيَ رَبَاعِيَةٌ فَلَوْ كَانَ السَّارِقُ يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَعْلَمُ بِدُخُولِهِ وَعَلِمَ بِهِ صَاحِبُ الدَّارِ أَيْضًا فَلَا قَطْعَ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا فَيُقْطَعُ اتِّفَاقًا أَوْ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ يَعْلَمُ بِدُخُولِهِ وَالسَّارِقُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْلَمُ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ اكْتِفَاءً بِكَوْنِهَا خُفْيَةً فِي زَعْمِ السَّارِقِ وَإِنْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ بِأَنْ زَعَمَ اللِّصُّ بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ عَلِمَ بِهِ وَصَاحِبُ الدَّارِ لَمْ يَعْلَمْ فَفِي التَّبْيِينِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ جَهْرٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُقْطَعُ اكْتِفَاءً بِكَوْنِهَا خُفْيَةً فِي زَعْمِ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَنْ سَرِقَةِ مَا دُونَهَا وَأُطْلِقَ فِي الدَّرَاهِمِ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَاحْتُرِزَ بِالْمَضْرُوبَةِ عَمَّا إذَا سَرَقَ تِبْرًا وَزْنُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ مَتَاعًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ غَيْرِ مَضْرُوبَةٍ، فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْكَامِلِ وَالْمَهْرُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ مَضْرُوبَةً تَأْكِيدٌ وَإِيضَاحٌ وَإِلَّا فَالدِّرْهَمُ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَضْرُوبِ فَلَا يُسَمَّى دِرْهَمًا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ فَلَوْ سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ قِيمَتُهُ النِّصَابُ قُطِعَ عِنْدَنَا وَلَوْ سَرَقَ دِينَارًا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ النِّصَابِ لَا يُقْطَعُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ النِّصَابِ يَوْمَ السَّرِقَةِ وَيَوْمَ الْقَطْعِ فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ السَّرِقَةِ عَشَرَةً فَانْتَقَصَ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لِنُقْصَانِ الْعَيْنِ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ لِنُقْصَانِ السِّعْرِ لَا يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَخَذَهُ الْمَالِكُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَقِيمَةُ الثَّوْبِ ثَمَّةَ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ دُرِئَ

ــ

[منحة الخالق]

كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْمُعَلِّمَ لَا يَضْمَنُ لَكِنْ فِي التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ عَنْ الشُّمُنِّيِّ لَوْ ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ ضَرْبًا فَاحِشًا، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيَضْمَنُهُ لَوْ مَاتَ.

[كِتَابُ السَّرِقَةِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>