للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَرْضِ تَبَعًا لَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَهُ فَلَوْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ النَّفْلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ بِهِ عِنْدَهُ وَعَلَى عَكْسِهِ يَجُوزُ (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ هُنَا أَنَّ الشَّرْطَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ التُّرَابَ مُطَهِّرٌ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمَاءِ فَإِذَا وُجِدَ الْمَاءُ فُقِدَ الشَّرْطُ فَفَقْدُ الْمَشْرُوطِ، وَهُوَ طَهُورِيَّةُ التُّرَابِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مُسَاوِيًا لِلْمَشْرُوطِ اسْتَلْزَمَهُ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مُسَاوٍ لِلْآخَرِ لَا مَحَالَةَ فَجَازَ أَنْ يَسْتَلْزِمَهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ مُسَاوَاتَهُمَا لِجَوَازِهِ مَعَ وُجُودِهِ حَالَ مَرَضِهِ قُلْت لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِيهَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقُدْرَةُ، وَهُوَ لَيْسَ بِقَادِرٍ.

(قَوْلُهُ: وَخَوْفُ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ حُضُورُ الْجِنَازَةِ وَكَوْنُهُ صَحِيحًا وَكَوْنُهُ فِي الْمِصْرِ وَكَوْنُهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ وَوَافَقَهُ عَلَى الْأَخِيرِ فِي الْوَافِي وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الْقُيُودِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ يُرَخَّصُ لَهُ التَّيَمُّمُ مُطْلَقًا وَكَذَا الْمُسَافِرُ وَقَبْلَ حُضُورِهَا لَا يَخَافُ الْفَوْتَ إذْ الْوُجُوبُ بِالْحُضُورِ وَكَذَا لَا يَخَافُ الْفَوْتَ الْوَلِيُّ مَعَ أَنَّ فِي جَوَازِهِ لَهُ خِلَافًا فَفِي الْهِدَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّ لِلْوَلِيِّ حَقَّ الْإِعَادَةِ فَلَا فَوَاتَ فِي حَقِّهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَصَحَّحَ فِي التَّجْنِيسِ فِي الْإِمَامِ عَدَمُ الْجَوَازِ إنْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ، وَإِلَّا جَازَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ جَوَازُهُ لَهُمَا وَصَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي وَمَنْ لَهُ حَقُّ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا مَكْرُوهٌ وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ مَنْ لَهُ التَّقَدُّمُ حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّيَمُّمُ لِلسُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَالْوَالِي عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَهُوَ مُؤَخَّرٌ فَمَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْوَلِيِّ لَهُ حَقُّ الْإِعَادَةِ لَوْ صَلَّى الْوَلِيُّ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْوَلِيِّ إذَا كَانَ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ حَاضِرًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ إذْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْإِعَادَةِ لَوْ صَلَّى مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ فِي الْجَنَائِزِ، وَكَذَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ التَّيَمُّمُ إذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِعَادَةِ فَيَخَافُ فَوْتَهَا وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَمَرَهُ الْوَلِيُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ

وَهَذِهِ التَّفَارِيعُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إنَّمَا هِيَ عَلَى مُخْتَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْكُلِّ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوْتِ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِهِ عِنْدَ الْخَوْفِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ خَوْفِ فَوْتِ التَّكْبِيرَاتِ كُلِّهَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ، فَإِنْ كَانَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَ الْبَعْضَ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الْبَاقِي وَحْدَهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْقُنْيَةِ وَذَكَرَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَفُوتُ الْأَدَاءُ لَا إلَى خَلْفٍ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَفُوتُ الْأَدَاءُ لَا يَجُوزُ.

ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ الصَّلَاةَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ لَا يُخْشَى فَوَاتُهَا أَصْلًا لِعَدَمِ تَوَقُّتِهَا كَالنَّوَافِلِ وَنَوْعٌ يُخْشَى فَوَاتُهَا أَصْلًا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَنَوْعٌ يُخْشَى فَوَاتُهَا وَتُقْضَى بَعْدَ وَقْتِهَا أَصْلُهَا أَوْ بَدَلُهَا كَالْجُمُعَةِ وَالْمَكْتُوبَاتِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَتَيَمَّمُ لَهَا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَيَتَيَمَّمُ لَهَا عِنْدَ وُجُودِهِ عِنْدَنَا وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ تَيَمُّمٌ مَعَ عَدَمِ شَرْطِهِ وَقُلْنَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِالصَّلَاةِ عَاجِزٌ عَنْ الْوُضُوءِ لَهَا بِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَيَدُلُّ لَهُ تَيَمُّمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِرَدِّ السَّلَامِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ بَعْدَ التَّرَاخِي لَا يَكُونُ جَوَابًا لَهُ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاحْتِمَالِ

وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا فَجَأَتْك الْجِنَازَةُ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَيَمَّمَ» ثُمَّ قَالَ هَذَا مَرْفُوعًا غَيْرَ مَحْفُوظٍ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ أَيْضًا وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْكُنَى وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ بِجِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ) هُوَ الشَّرْطُ وَقَوْلُهُ وَجَوَازُ التَّيَمُّمِ، وَهُوَ الْمَشْرُوطُ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِهِ) أَيْ التَّيَمُّمُ وَقَوْلُهُ مَعَ وُجُودِهِ أَيْ الْمَاءِ.

[التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ]

(قَوْلُهُ: كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ) فِيهِ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْفِطْرِ وَتَكُونُ قَضَاءً فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ مِمَّا يَخْلُفُهَا الْقَضَاءُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاحْتِمَالِ) ، وَهُوَ مَا مَرَّ عَنْ الْكَمَالِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَوَى مَعَهُ مَا يَصِحُّ مَعَهُ التَّيَمُّمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>