للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِهِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِهَا فِي حَقِّ الْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ.

وَفِي التَّبْيِينِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ السَّارِقَ يُفْتَى بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ لَمْ يُقْضَ بِهِ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَالْبَاغِي يُفْتَيَانِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَالْأَمْوَالِ، وَالدِّيَةِ فِي النُّفُوسِ وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ: أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا، وَإِنْ قَالَ أَنَا أَخْتَارُ الْقَطْعَ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ. اهـ.

لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى تَضَمَّنَ رُجُوعُهُ عَنْ دَعْوَى السَّرِقَةَ إلَى دَعْوَى الْمَالِ وَأَطْلَقَ فِي قِيَامِ الْعَيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ السَّارِقُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا أَوْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا، فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْمَوْهُوبِ لَهُ بِلَا خِلَافٍ لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا وَفِي الْإِيضَاحِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ خَاطَهُ قَمِيصًا لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قُطِعَ السَّارِقُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَ السَّرِقَةَ غَيْرُهُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَحَدٍ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قُطِعَ لِبَعْضِ السَّرِقَاتِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِتَظْهَرَ السَّرِقَةُ فَلَمَّا لَمْ تَظْهَرْ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَائِبِينَ فَلَمْ يَقَعْ الْقَطْعُ لَهُمْ فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ، وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْقَاضِي أَمَّا الْوُجُوبُ بِالْجِنَايَةِ، وَإِذَا اسْتَوْفَى فَالْمُسْتَوْفَى كُلُّ الْوَاجِبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الْكُلِّ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ كُلُّهَا لِوَاحِدٍ وَسَرَقَهَا مِنْهُ مِرَارًا فَخَاصَمَ فِي الْبَعْضِ وَلِذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ لِوَاحِدٍ كَمَا شَمِلَ مَا إذَا كَانَ لِمُتَعَدِّدٍ وَحَضَرَ الْكُلُّ وَقَطَعَ بِالْبَعْضِ أَوْ حَضَرَ الْبَعْضُ فَقَطْ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَقَّ مَا سَرَقَهُ فِي الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ) كَمَا إذَا سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَدَمُهُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الْخَرْقَ الْفَاحِشَ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فَيَمْلِكُ الْمَضْمُونَ وَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا سَرَقَ مَبِيعًا فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَخْذَ وُضِعَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ لَا لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةً إذْ الضَّمَانُ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَنَفْسُهُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ كَنَفْسِ الْآخِذِ وَكَمَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَبِيعًا بَاعَهُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ أَطْلَقَ الشَّقَّ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا لَكِنْ لَا خِلَافَ فِي الْقَطْعِ إذَا كَانَ يَسِيرًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَتَرْكِ الثَّوْب عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ مَعَ الْقَطْعِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا وَصَحَّحَ الْخَبَّازِيُّ عَدَمَ وُجُوبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْقَطْعِ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الضَّمَانَ تَبَعًا لِقَاضِي خَانْ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْخَرْقِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشِ، وَالْيَسِيرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَتَعَيَّبُ بِهِ فَقَطْ وَيُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَطْعَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَلَا قَطْعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الِاخْتِيَارَ مُسْقِطٌ لِلْقَطْعِ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَهَبَهُ الْعَيْنَ بَلْ أَوْلَى لِاسْتِنَادِهِ وَاقْتِصَارِ الْهِبَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْوُجُوبِ. ثَانِيهِمَا: أَنَّ الشَّقَّ لَوْ كَانَ إتْلَافًا فَلَهُ تَضْمِينُ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَيَمْلِكُ السَّارِقُ

ــ

[منحة الخالق]

[أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ]

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرَى مِنْهُ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْأَصْلِ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَوْ ضَمِنَهُ صَاحِبُ الْمَالِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى السَّارِقِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَوْ ضَمِنَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى السَّارِقِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ وَاَلَّذِي يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُرْتَهِنُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ) أَيْ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَفِيهِ أَنَّ مُقْتَضَى مَا قَبْلَهُ عَدَمُ التَّضْمِينِ ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْمُجْتَبَى فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْمُشْتَرِي وَفِي السِّرَاجِ لَوْ اسْتَهْلَكَهَا غَيْرُهُ بَعْدَ لَقْطِهِ كَانَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَهْلِكَ قِيمَتَهُ. اهـ.

وَهَذَا بِالْقَوَاعِدِ أَلْيَقُ وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ اهـ.

وَلَكِنْ عِبَارَةُ السِّرَاجِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي التَّسْوِيَةِ بَلْ ظَاهِرُهَا ذَلِكَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى قَطْعُ السَّارِقِ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ، وَقَدْ غَيَّبَهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ وَفِيهَا عَنْ الْمُحِيطِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى السَّارِقِ بِالثَّمَنِ لَا بِالْقِيمَةِ وَفِيهَا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ قُطِعَ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ غَيْرُهُ كَانَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْنُ كُلُّهَا لِوَاحِدٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا النَّصْبُ بَدَلَ الْعَيْنِ وَهِيَ الصَّوَابُ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْقَوْلِ بِضَمَانِ الْعَيْنِ مِرَارًا عَلَى قَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْعَيْنِ الْمُتَعَدِّدَةِ.

[شَقَّ مَا سَرَقَهُ فِي الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ]

(قَوْلُهُ: وَنَفْسُهُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً) الضَّمِيرُ فِي نَفْسِهِ يَعُودُ إلَى الشَّقِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>