للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِفَايَةٍ فِيهَا وَلَيْسَ بِتَطَوُّعٍ أَصْلًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة هَذَا وَفَضْلُهُ عَظِيمٌ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْحِرَاسَةُ بِاللَّيْلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ تَوَابِعِ الْجِهَادِ الرِّبَاطُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي مَكَان يُتَوَقَّعُ هُجُومُ الْعَدُوِّ فِيهِ لِقَصْدِ دَفْعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ كَثِيرَةٌ وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ مَكَان، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ وَرَاءَهُ إسْلَامٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ الثَّالِثُ افْتِرَاضُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْدَؤُنَا لِلْعُمُومَاتِ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: ١٩١] فَمَنْسُوخٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ، وَتَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخٌ بِالْعُمُومَاتِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَامَ بِهِ قَوْمٌ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِلَّا أَثِمُوا بِتَرْكِهِ) بَيَانٌ لِحُكْمِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْلُوَ ثَغْرُ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُقَاوِمُ الْأَعْدَاءَ، فَإِنَّ ضَعُفَ أَهْلُ الثَّغْرِ مِنْ الْمُقَاوَمَةِ وَخِيفَ عَلَيْهِمْ فَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالسِّلَاحِ، وَالْكُرَاعِ لِيَكُونَ الْجِهَادُ قَائِمًا، وَالدُّعَاءُ إلَى الْإِسْلَامِ دَائِمًا

(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَأَقْطَعَ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَكَذَا الْمَجْنُونُ، وَالْعَبْدُ، وَالْمَرْأَةُ مَشْغُولَانِ بِحَقِّ الزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى وَحَقُّهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَالْأَعْمَى وَنَحْوُهُ عَاجِزُونَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [الفتح: ١٧] أَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْعَبْدِ وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ أَمَّا لَوْ أَمَرَ السَّيِّدُ، وَالزَّوْجُ الْعَبْدَ، وَالْمَرْأَةَ بِالْقِتَالِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَلَا نَقُولُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْمَوْلَى، وَالزَّوْجِ حَتَّى إذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي غَيْرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الْمُخَاطَرَةُ بِالرُّوحِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لِخِطَابِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ بِذَلِكَ، وَالْغَرَضُ انْتِفَاؤُهُ عَنْهُمْ قَبْلَ النَّفِيرِ الْعَامِّ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَةُ الزَّوْجِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ إنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ فِي أَمْرِهِ إضْرَارٌ بِهَا، فَإِنَّهَا تَأْثَمُ عَلَى تَقْدِيرِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَتَرَكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ الْجِهَادَ نَعَمْ هُوَ فِي الْعَبْدِ ظَاهِرٌ لِعُمُومِ وُجُوبِ الطَّاعَةِ عَلَيْهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ إذَا طَاقَ الْقِتَالَ بِالْخُرُوجِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ تَهْذِيبُهُ لَا إتْلَافُهُ فَهُوَ كَتَعْلِيمِهِ السِّبَاحَةَ وَكَخَتْنِهِ وَقَيَّدَهُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ السُّغْدِيُّ بِأَنْ لَا يَخَافَ عَلَيْهِ نَحْوُ أَنْ يَرْمِيَ بِالْحَجَرِ فَوْقَ الْحِصْنِ أَوْ بِالنُّشَّابِ أَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ يَخْرُجُ لِلْبِرَازِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ. اهـ.

وَأَشَارَ بِالْمَرْأَةِ، وَالْعَبْدِ إلَى أَنَّ الْمَدْيُونَ لَا يَخْرُجُ إلَى الْجِهَادِ مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَفَاءٌ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَرِيمِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَالِ كَفِيلٌ كَفَلَ بِإِذْنِهِ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الطَّالِبِ خَاصَّةً كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْكَفِيلِ إذَا تَعَذَّرَ

ــ

[منحة الخالق]

[وَلَا يَجِبُ الْجِهَاد عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَأَقْطَعَ]

(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُحَقِّقِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِأَمْرِ الزَّوْجِ وَأَمْرُ الزَّوْجِ لَهَا إذْنٌ وَفَكُّ الْحَجْرِ. اهـ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْوُجُوبُ فِي الْمَرْأَةِ عَلَى مَا فِيهِ بِمَا إذَا كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ يَذْهَبُ مَعَهَا لِلْجِهَادِ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَحْرَمِ لَهَا فِي الْحَجِّ وَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ. اهـ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا فِيهِ إلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ حَيْثُ عَلَّلَ عَدَمَ الرَّضْخِ لِلْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ بِعَجْزِهِمَا عَنْ الْجِهَادِ ثُمَّ قَالَ وَلِهَذَا أَيْ لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْجِهَادِ لَمْ يَلْحَقْهُمَا فَرْضُهُ أَيْ فَرْضُ الْجِهَادِ ثُمَّ عَلَّلَ عَدَمَ الرَّضْخِ لِلْعَبْدِ بِأَنَّهُ لَا يُمَكِّنُهُ الْمَوْلَى مِنْ الْجِهَادِ وَأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ قَالَ أَبُو السُّعُودِ فَمَا فِي النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا يَفْتَرِضُ عَلَيْهَا كِفَايَةً لَيْسَ بِظَاهِرٍ. اهـ.

قُلْت وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَامْرَأَةٌ حُرَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَوْرَةٌ وَفِي الْجِهَادِ قَدْ يَنْكَشِفُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالزَّوْجَةِ كَمَا ظُنَّ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ مُسَلَّمٌ فِي الْعَبْدِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا وُجُوبَ عَلَيْهَا قَبْلَ النَّفِيرِ الْعَامِّ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ صَرِيحُ النَّقْلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: عَلَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ مَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَدْيُونِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ إلَّا بِإِذْنِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ إلَيْهِ إذَا طُلِبَ مِنْهُ، وَقَدْ يَذْهَبُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ، فَإِذَا طُلِبَ مِنْهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ يَلْزَمُهُ السَّفَرُ إلَيْهِ فَيَحْصُلُ لَهُ الضَّرَرُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ مَنَعَهُ مِنْ السَّفَرِ قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ مَالًا بِأَمْرِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ فَأَرَادَ الْخَصْمُ أَنْ يُسَافِرَ فَمَنَعَهُ الْكَفِيلُ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ ضَمَانُهُ إلَى أَجَلٍ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى أَجَلٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ حَتَّى يُخَلِّصَهُ مِنْهُ إمَّا بِأَدَاءِ الْمَالِ أَوْ بِبَرَاءَةٍ مِنْهُ وَفِي كَفَالَةِ النَّفْسِ بِرَدِّ النَّفْسِ اهـ.

١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>