للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَارِ الْحَرْبِ وَالْفِدَاءُ وَالْمَنُّ) لِأَنَّ فِي رَدِّهِمْ تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْفِدَاءِ بِهِمْ مَعُونَةُ الْكَفَرَةِ لِأَنَّهُ يَعُودُ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَدَفْعُ شَرِّ حِرَابِهِ خَيْرٌ مِنْ اسْتِخْلَاصِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ كَانَ ابْتِلَاءً فِي حَقِّهِ غَيْرَ مُضَافٍ إلَيْنَا، وَالْإِعَانَةُ بِدَفْعِ أَسِيرِهِمْ إلَيْهِمْ مُضَافٌ إلَيْنَا فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَوَّزَا أَنْ يُفَادِيَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ تَخْلِيصًا لِلْمُسْلِمِ وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ.

أَطْلَقَ فِي مَنْعِ الْفِدَاءِ فَشَمِلَ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي لَا يُرْجَى لَهُ نَسْلٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ جَوَازُهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَشَمِلَ إطْلَاقَ الْحَرْبِيِّ وَأَخْذَ الْمُسْلِمِ الْأَسِيرِ عِوَضًا عَنْهُ وَاسْتِنْقَاذَهُ مِنَّا بِمَالٍ نَأْخُذُهُ مِنْهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فَدَاهُ مِنْ الْأَسْرِ فِدَاءً وَفِدًى: اسْتَنْقَذَهُ مِنْهُ بِمَالٍ. وَالْفِدْيَةُ اسْمُ ذَلِكَ الْمَالِ. وَالْمُفَادَاةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُقَالُ فَادَاهُ إذَا أَطْلَقَهُ وَأَخَذَ فِدْيَتَهُ وَعَنْ الْمُبَرِّدِ الْمُفَادَاةُ أَنْ تَدْفَعَ رَجُلًا وَتَأْخُذَ رَجُلًا وَالْفِدَاءُ أَنْ تَشْتَرِيَهُ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى اهـ.

وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ فَفِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ اسْتِدْلَالًا بِأَسْرَى بَدْرٍ وَلَوْ كَانَ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ فِي أَيْدِينَا لَا يُفَادَى بِمُسْلِمٍ أُسِرَ فِي أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا إذَا طَابَتْ نَفْسُهُ بِهِ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَى إسْلَامِهِ وَأَمَّا الْمَنُّ فَقَالَ فِي الْقَامُوسِ مَنَّ عَلَيْهِ مَنًّا أَنْعَمَ وَاصْطَنَعَ عِنْدَهُ صَنِيعَةً اهـ.

وَاخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي الْمُرَادِ بِهِ هُنَا فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُوَ أَنْ يُطْلِقَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ هُوَ الْإِنْعَامُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَتْرُكَهُمْ مَجَّانًا بِدُونِ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ أَوْ تَرْكِهِمْ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ اهـ.

وَلَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهُ هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ وَحَرُمَ رَدُّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا حَرُمَ لِأَنَّ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ حَقُّ الْغَانِمِينَ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمَغْنُومَةِ وَقَيَّدَ بِفِدَاءِ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِدَاءُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ بِهِ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ قُوَّةٌ لِلْحَرْبِ كَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُفَادُونَ بِالسِّلَاحِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ مُفَادَاةُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ اتِّفَاقًا

(قَوْلُهُ وَعَقْرُ مَوَاشٍ شَقَّ إخْرَاجُهَا فَتُذْبَحُ وَتُحْرَقُ) أَيْ وَحَرُمَ عَقْرُ الْمَوَاشِي لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ فَيَذْبَحُهَا لِأَنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ يَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَا غَرَضَ أَصَحَّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَةِ الْأَعْدَاءِ ثُمَّ تُحْرَقُ بِالنَّارِ لِتَنْقَطِعَ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الْكُفَّارِ وَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ بِخِلَافِ التَّحْرِيقِ قَبْلَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَحْرُقُ الْأَسْلِحَةَ وَالْأَمْتِعَةَ إذَا تَعَذَّرَ نَقْلُهَا وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا يُدْفَنُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ إبْطَالًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ عَقَرَهُ عَقْرًا جَرَحَهُ وَعَقَرَ النَّاقَةَ بِالسَّيْفِ ضَرَبَ قَوَائِمَهَا، وَالْمَوَاشِي جَمْعُ مَاشِيَةٍ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَقَيَّدَ بِالْمَوَاشِي احْتِرَازًا عَنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ الَّتِي يَشُقُّ إخْرَاجُهَا فَإِنَّهَا تُتْرَكُ فِي أَرْضٍ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا كَيْ لَا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا لِأَنَّ النِّسَاءَ يَقَعُ بِهِنَّ النَّسْلُ وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَإِنَّهُمْ يَبْلُغُونَ فَيَصِيرُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْقَتْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُضْطَرُّوا إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ عَدَمِ الْحَمْلِ فَيُتْرَكُوا ضَرُورَةً وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُفْعَلُ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الْإِخْرَاجِ لَا مُطْلَقًا فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَذَكَرَ بَعْدَهُ وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا إذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي رِحَالِهِمْ يَنْزِعُونَ ذَنَبَ الْعَقْرَبِ وَأَنْيَابَ الْحَيَّةِ قَطْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَقْتُلُونَهَا لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةَ الْكُفَّارِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِضِدِّهِ اهـ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نِسَاءٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مُتْنَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَطَأُ أَهْلُ الْحَرْبِ النِّسَاءَ الْأَمْوَاتَ قَالَ يَسَعُنَا أَنْ نُحَرِّقَهُنَّ بِالنَّارِ اهـ.

[قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِغَيْرِ إيدَاعٍ]

(قَوْلُهُ وَقِسْمَةُ غَنِيمَةٍ فِي دَارِهِمْ لَا لِلْإِيدَاعِ) أَيْ حَرُمَ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِغَيْرِ إيدَاعِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْقِسْمَةُ بَيْعٌ مَعْنًى فَتَدْخُلُ تَحْتَهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إثْبَاتُ

ــ

[منحة الخالق]

[مَا يَفْعَلهُ الْإِمَامَ بِالْأَسْرَى]

قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ) أَيْ اشْتِرَاؤُهُ بِمَالٍ وَسَمَّاهُ ثَانِيًا نَظَرًا إلَى مَا فِي عِبَارَةِ الْمُبَرِّدِ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ مُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَيْ بِغَيْرِ قَتْلٍ وَلَا اسْتِرْقَاقٍ وَلَا ذِمَّةٍ، وَأَنَّ رَدَّهُمْ إلَى دَارِهِمْ هُوَ إرْسَالُهُمْ إلَيْهَا وَهَذَا كَمَا تَرَى مُغَايِرٌ لِمُطْلَقِ إطْلَاقِهِمْ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَتَدَبَّرْهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ قَالَ الْمَنُّ أَنْ يُطْلِقَهُمْ مَجَّانًا سَوَاءٌ كَانَ الْإِطْلَاقُ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ أَوْ قَبْلَهُ أُشِيرَ إلَى ذَلِكَ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْهِدَايَةِ يُرِيدُ قَوْلَهُ وَلِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ حَقُّ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ نَفْيِ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ نَفْيُ رَدِّهِمْ إلَى دَارِهِمْ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>