للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ مَصْرِفًا لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَلَوْ تَرَكَ السُّلْطَانُ لِإِنْسَانٍ خَرَاجَ أَرْضِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مَصْرِفًا لَهُ وَلَوْ تَرَكَ لَهُ عُشْرَ أَرْضِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَيُخْرِجُهُ بِنَفْسِهِ وَيُعْطِيه لِلْفُقَرَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) فِي الْجِزْيَةِ.

(الْجِزْيَةُ لَوْ وُضِعَتْ بِتَرَاضٍ لَا يَعْدِلُ عَنْهَا) لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّرَاضِي وَقَدْ صَالَحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَنِي نَجْرَانَ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ وَالْجِزْيَةُ اسْمٌ لِمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْجَمْعُ جِزًى كَلِحْيَةٍ وَلِحًى لِأَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ الْقَتْلِ أَيْ تَقْضِي وَتَكْفِي فَإِذَا قَبِلَهَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا تُوضَعُ عَلَى الْفَقِيرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَعَلَى وَسَطِ الْحَالِ ضِعْفُهُ وَعَلَى الْمُكْثِرِ ضِعْفُهُ) أَيْ إنْ لَمْ تُوضَعْ بِالتَّرَاضِي وَإِنَّمَا وُضِعَتْ قَهْرًا بِأَنْ غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَمَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ نُصْرَةٌ لِلْمُقَاتِلَةِ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَهَذَا لِأَنَّهُ وَجَبَ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ الْوَفْدِ وَقَتْلِهِ فَكَذَا مَا هُوَ بَدَلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ حَدَّ الْغِنَى وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقْرِ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَأَحْسَنُ الْأَقْوَالِ مَا اخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَهُوَ غَنِيٌّ وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَالْفَقِيرُ الَّذِي يَمْلِكُ مَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ أَوْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَى أَنَّ وُجُوبَهَا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَإِنَّمَا الْحَوْلُ تَخْفِيفٌ وَتَسْهِيلٌ وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَمِنْ الْمُتَوَسِّطِ دِرْهَمَانِ وَمِنْ الْفَقِيرِ دِرْهَمٌ وَهَذَا الْأَجَلُ التَّسْهِيلُ عَلَيْهِ لَا بَيَانَ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّهُ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ كَمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْبِنَايَةِ.

وَأَطْلَقَ الْفَقِيرُ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ غَيْرُ الْمُعْتَمِلِ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَالْمُعْتَمِلُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ حِرْفَةً وَفِي السِّرَاجِ الْمُعْتَمِلُ الْقَادِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْحِرْفَةَ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَالْمُعْتَمِلُ هُوَ الْمُكْتَسَبُ وَالِاعْتِمَالُ الِاضْطِرَابُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الِاكْتِسَابُ فَلَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي السَّنَةِ كُلِّهَا أَوْ نِصْفِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ تَرَكَ الْعَمَلَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُعْتَمِلِ كَمَنْ قَدَرَ عَلَى الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يَزْرَعْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَلِذَا قَالَ فِي الْبِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَا يَلْزَمُ الزَّمَنُ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ مُفَرِّطًا فِي الْيَسَارِ وَكَذَا لَوْ مَرِضَ نِصْفُهَا كَمَا فِي الشَّرْحِ فَلَوْ حَذَفَ الْفَقِيرُ لَكَانَ أَوْلَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي آخِرِ السَّنَةِ اهـ.

وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا فِي أَوَّلِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ وَتُوضَعُ عَلَى كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ

ــ

[منحة الخالق]

الرُّبْعَيْنِ لِنَفْسِهِ فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِمَا اهـ. مُلَخَّصًا وَنَحْوُهُ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ.

[فُرُوعٌ لَا يَتَكَرَّرُ الْخَرَاجُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ]

(قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مُصَرِّفًا لَهُ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ كَمَا سَيَأْتِي آخَرَ الْفَصْلِ الْآتِي.

[فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ]

(قَوْلُهُ فَلَوْ حُذِفَ الْفَقِيرُ لَكَانَ أَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ إذْ لَوْ اُقْتُصِرَ عَلَى قَوْلِهِ وَمُعْتَمِلٍ لَمَا أَفَادَ اشْتِرَاطَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ وَقَدْ قَابَلَهُ بِهِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فِي وَسَطِ الْحَالِ وَالْغَنِيُّ مَعْلُومَةٌ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ لَا تَجِبُ عَلَى زَمِنٍ اهـ.

وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ فَلَوْ حُذِفَ الْفَقِيرُ أَيْ مِمَّا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ بِأَنْ يَقُولَ وَغَيْرُ مُعْتَمِلٌ فَيَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ فَيَنْدَفِعُ حِينَئِذٍ تَوَهُّمُ تَقْيِيدِ الْفَقِيرِ فِيمَا مَرَّ بِالْمُعْتَمِلِ وَتَوَهُّمُ أَنَّ الْعَمَلَ شَرْطٌ فِي الْفَقِيرِ فَقَطْ وَهَذَا كَلَامٌ ظَاهِرٌ وَكَانَ صَاحِبُ النَّهْرِ ظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ حَذْفُ الْمُعْتَمِلِ مِمَّا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ إذْ لَوْ اُقْتُصِرَ عَلَى قَوْلِهِ وَمُعْتَمِلٍ وَقَوْلُهُ وَقَدْ قَابَلَهُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمُعْتَمِلَ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا فِي أَوَّلِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا اعْتَبَرُوا وُجُودَهَا فِي آخِرِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ كَانَ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ غَنِيًّا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ أَوْ فَقِيرًا أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةُ الْفَقْرِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْأَوَّلُ لَوَجَبَ إذَا كَانَ فِي أَوَّلِهَا غَنِيًّا فَقِيرًا فِي أَكْثَرِهَا أَنْ يَجِبَ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَعَمْ الْأَكْثَرُ كَالْكُلِّ اهـ.

وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ مُشْتَرَكٌ الْإِلْزَامِ إذْ هُوَ وَارِدٌ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ الْآخَرِ لِاقْتِضَائِهِ وُجُوبَ جِزْيَةِ الْأَغْنِيَاءِ إذَا كَانَ غَنِيًّا فِي آخِرِهَا فَقِيرًا فِي أَكْثَرِهَا اهـ.

قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ قَوْلٌ آخَرُ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ أَوَّلِ السَّنَةِ أَوْ آخِرِهَا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ وَنَصُّهُ الذِّمِّيُّ إذَا كَانَ غَنِيًّا فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَقِيرًا فِي الْبَعْضِ قَالُوا إنْ كَانَ غَنِيًّا فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ الْفُقَرَاءِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي النِّصْفِ فَقِيرًا فِي النِّصْفِ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ وَسَطِ الْحَالِ اهـ.

إذْ هُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ فَلَا يَنْبَغِي إيرَادُ هَذَا عَلَى الْفَتْحِ وَلَا عَلَى الْمُؤَلِّفِ نَعَمْ رُبَّمَا يَرُدُّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَسَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ لَوْ أَيْسَرَ فِي آخَرِ السَّنَةِ أُخِذَتْ مِنْهُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّوْفِيقِ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>