للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتِحْبَابًا وَقَيَّدَ بِنِصْفِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي آخِرِهَا يُسْتَحَبُّ الصَّرْفُ إلَى قَرِيبِهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَى تَعَبَهُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَفَاءُ ثُمَّ قِيلَ رِزْقُ الْقَاضِي وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ يُعْطَى فِي آخِرِ السَّنَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَخَذَهُ أَوَّلَهَا ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ مُضِيِّهَا قِيلَ يَجِبُ رَدُّ مَا بَقِيَ وَقِيلَ لَا يَجِبُ عِنْدَ هُمَا كَالنَّفَقَةِ الْمُعَجَّلَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. .

[بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ]

شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْكُفْرِ الطَّارِئِ بَعْدَ الْأَصْلِيِّ وَالْمُرْتَدُّ فِي اللُّغَةِ الرَّاجِعُ مُطْلَقًا وَفِي الشَّرِيعَةِ الرَّاجِعُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْبَدَائِعِ رُكْنُ الرِّدَّةِ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِيمَانِ وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا الْعَقْلُ فَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ الْمَجْنُونِ وَلَا الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَأَمَّا مَنْ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعٌ فَإِنْ ارْتَدَّ حَالَ الْجُنُونِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ ارْتَدَّ حَالَ إفَاقَتِهِ صَحَّتْ وَكَذَا لَا تَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ الذَّاهِبِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهَا مِنْ الصَّبِيِّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا الذُّكُورَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا وَمِنْهَا الطَّوْعُ فَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا اهـ.

وَالْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِمَّا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ ضَرُورَةً وَهَلْ هُوَ فَقَطْ أَوْ هُوَ مَعَ الْإِقْرَارِ قَوْلَانِ فَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الثَّانِي وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْإِقْرَارُ شَرْطُ إجْرَاءِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ مَتَى طُولِبَ بِهِ أَتَى بِهِ فَإِنْ طُولِبَ بِهِ فَلَمْ يُقِرَّ فَهُوَ كُفْرُ عِنَادٍ وَالْكُفْرُ لُغَةً السَّتْرُ وَشَرْعًا تَكْذِيبُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِمَّا يَثْبُتُ عَنْهُ ادِّعَاؤُهُ ضَرُورَةً وَفِي الْمُسَايَرَةِ وَلِاعْتِبَارِ التَّعْظِيمِ الْمُنَافِي لِلِاسْتِخْفَافِ كَفَّرَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ وَأَفْعَالٍ تَصْدُرُ مِنْ الْمُتَهَتِّكِينَ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ كَالصَّلَاةِ بِلَا وُضُوءٍ عَمْدًا بَلْ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى تَرْكِ سُنَّةٍ اسْتِخْفَافًا بِهَا بِسَبَبِ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِيَادَةً أَوْ اسْتِقْبَاحَهَا كَمَنْ اسْتَقْبَحَ مِنْ آخَرَ جَعْلَ بَعْضِ الْعِمَامَةِ تَحْتَ حَلْقِهِ أَوْ إحْفَاءَ شَارِبِهِ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَنْ هَزَلَ بِلَفْظِ كُفْرٍ ارْتَدَّ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ لِلِاسْتِخْفَافِ فَهُوَ كَكُفْرِ الْعِنَادِ وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي يَكْفُرُ بِهَا تُعْرَفُ فِي الْفَتَاوَى اهـ.

فَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَلْفَاظَ التَّكْفِيرِ الْمَعْرُوفَةَ فِي الْفَتَاوَى مُوجِبَةٌ لِلرِّدَّةِ عَنْ الْإِسْلَامِ حَقِيقَةً وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُحْكَى عَنْ بَعْضِ مَنْ لَا سَلَفَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ يَكْفُرُ بِكَذَا وَكَذَا فَذَاكَ لِلتَّخْوِيفِ وَالتَّهْوِيلِ لَا لِحَقِيقَةِ الْكُفْرِ وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ إلَى آخِرِهِ.

وَالْحَقُّ أَنَّ مَا صَحَّ عَنْ الْمُجْتَهِدِ فَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَمَّا مَا ثَبَتَ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يُفْتَى بِهِ فِي مِثْلِ التَّكْفِيرِ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْبُغَاةِ أَنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْخَوَارِجِ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ وَيَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ اهـ.

فَيَكْفُرُ إذَا وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ سَخِرَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ بِأَمْرٍ مِنْ أَوَامِرِهِ وَأَنْكَرَ وَعْدَهُ أَوْ وَعِيدَهُ أَوْ جَعَلَ لَهُ شَرِيكًا أَوْ وَلَدًا أَوْ زَوْجَةً أَوْ نَسَبَهُ إلَى الْجَهْلِ أَوْ الْعَجْزِ أَوْ النَّقْصِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ فُلَانٌ فِي عَيْنِي كَالْيَهُودِيِّ فِي عَيْنِ اللَّهِ فَكَفَّرَهُ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ لَا إنْ عَنَى بِهِ اسْتِقْبَاحَ فِعْلِهِ وَقِيلَ يَكْفُرُ إنْ عَنَى الْجَارِحَةَ لَا الْقُدْرَةَ وَالْأَصَحُّ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْمُتَشَابِهِ كَالْيَدِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ أَنْ يُقَالَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَيَكْفُرُ بِقَوْلٍ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ فِعْلًا لَا حِكْمَةَ فِيهِ وَبِإِثْبَاتِ الْمَكَانِ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قَالَ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ فَإِنْ قَصَدَ حِكَايَةَ مَا جَاءَ فِي ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ لَا يَكْفُرُ وَإِنْ أَرَادَ الْمَكَانَ كَفَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَفَرَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْضَى بِالْكُفْرِ وَبِقَوْلِهِ لَوْ أَنْصَفَنِي اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ انْتَصَفْت مِنْك أَوْ إنْ قَضَى اللَّهُ يَوْمَ

ــ

[منحة الخالق]

(بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ)

(قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ أَنْ يُقَالَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قِيلَ لَا تَجُوزُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَقِيلَ تَجُوزُ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ «يُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الصِّرَاطِ» قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا اللَّفْظُ مُوَسَّعٌ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ تَعَالَى مُنَزَّهًا عَنْ الْجِهَةِ وَجَوَّزَهُ السَّرَخْسِيُّ أَيْضًا وَمَنْ يَتَحَرَّزُ عَنْ إطْلَاقِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ فِتْنَةِ الْجُهَّالِ فَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الدِّينِ فَلَا بَأْسَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>