للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّبَرِّي أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَمَّا قَالَ إذْ لَا يَرْتَفِعُ بِهِمَا كُفْرُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.

وَقَيَّدَ بِإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ فِي إسْلَامِ غَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ تَفْصِيلًا فَإِنْ كَانَ الْكَافِرُ جَاحِدًا لِلْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ أَوْ مُقِرًّا بِالْبَارِي مُشْرِكًا غَيْرَهُ مَعَهُ كَالثَّنَوِيَّةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَنَا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُوَحِّدًا جَاحِدًا لِلرِّسَالَةِ فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ حَتَّى يَقُولَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ قَالَ مَجُوسِيٌّ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا وَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت فَهُوَ إسْلَامٌ وَفِي الرَّوْضَةِ لَوْ قَالَ الْكَافِرُ آمَنْت بِمَا آمَنَ بِهِ الرُّسُلُ صَارَ مُسْلِمًا وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ إذَا قَالَ الْكَافِرُ اللَّهُ وَاحِدٌ يَصِيرُ مُسْلِمًا وَلَوْ قَالَ لِمُسْلِمٍ دِينُك حَقٌّ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا وَقِيلَ يَصِيرُ مُسْلِمًا إلَّا إذَا قَالَ حَقٌّ وَلَكِنْ لَا أُؤْمِنُ بِهِ وَلَوْ قَالَ بَرِئْت مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ دَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ قَالَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَتَبَرَّأَ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ فَلَيْسَ بِإِسْلَامٍ وَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ وَدَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُسْلِمًا الْكُلُّ مِنْ الْخُلَاصَةِ وَفِي الْمُحِيطِ مَنْ يُقِرُّ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ رَسُولٌ إلَى الْعَرَبِ لَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ كَمَا فِي بِلَادِ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِقْرَارِهِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ ذَلِكَ أَوْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَكُونُ بِالْفِعْلِ أَيْضًا كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهَا أَوْ الْأَذَانِ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْحَجِّ وَشُهُودِ الْمَنَاسِكِ لَا الصَّلَاةِ وَحْدَهُ وَمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ.

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ إسْلَامَهُ مَرْجُوٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ اهـ.

يَعْنِي: فَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِ الْعَرْضِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ فَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ قَتْلَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ إنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَدَّبَهُ الْإِمَامُ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ قَاتِلُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ) وَكُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى الْمُرْتَدِّ فَهِيَ هَدَرٌ.

[وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ]

(قَوْلُهُ وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ) لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ تَأْخِيرُ الْأَجْزِيَةِ إلَى دَارِ الْآخِرَةِ إذْ تَعْجِيلُهَا يُخِلُّ بِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ دَفْعًا لِشَرِّ نَاجِزٍ وَهُوَ الْحِرَابُ وَلَا يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْبِنْيَةِ بِخِلَافِ الرِّجَالِ فَصَارَتْ كَالْمُرْتَدَّةِ الْأَصْلِيَّةِ أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُرْتَدَّةُ بِالسِّحْرِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالسَّاحِرَةُ تُقْتَلُ إذَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّهَا هِيَ الْخَالِقَةُ لِذَلِكَ لِتَصِيرَ مُرْتَدَّةً وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْتَدَّةُ لَا تُقْتَلُ لِمَا جَاءَ مِنْ الْأَثَرِ مِنْ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ اُقْتُلُوا السَّاحِرَ وَالسَّاحِرَةَ وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ السَّاحِرَةَ لَا تُقْتَلُ وَلَكِنَّهَا تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ ضَرَرَ كُفْرِهَا وَهُوَ سِحْرُهَا يَتَعَدَّى إلَى الْحَيِّ الْمَعْصُومِ بِفَوَاتِ حَيَاتِهِ فَتُقْتَلُ كَالرَّجُلِ اهـ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا ارْتَدَّ لَمْ يُقْتَلْ وَيُحْبَسُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ قَاتِلِهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى الْعَتَّابِيَّةِ وَفِي الْأَمَةِ يَضْمَنُ لِمَوْلَاهَا اهـ.

وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَإِنْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِأَنَّ قِيمَةَ الدَّمِ بِالْإِسْلَامِ وَقَدْ زَالَ وَيُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ قَالَ أَوَّلًا وَمَنْ قَتَلَ حُرَّةً مُرْتَدَّةً لَمْ يَضْمَنْ ثُمَّ قَالَ وَكَذَا الْأَمَةُ وَأَطْلَقَ فِي حَبْسِهَا فَشَمِلَ الْأَمَةَ لَكِنَّ الْأَمَةَ تُدْفَعُ إلَى مَوْلَاهَا فَيَجْعَلُ حَبْسَهَا بَيْتَ السَّيِّدِ سَوَاءٌ طَلَبَ هُوَ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي الصَّحِيحِ وَيَتَوَلَّى هُوَ جَبْرَهَا جَمْعًا بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ السَّيِّدِ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَإِنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

[إسْلَامُ الْمُرْتَدِّ]

(قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي إسْلَامِ غَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ تَفْصِيلًا) قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَقْسَامَ الْكُفَّارِ وَمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ (قَوْلُهُ كَالثَّنَوِيَّةِ) هُمْ الْمَجُوسُ الْقَائِلُونَ بِإِلَهَيْنِ النُّورِ الْمُسَمَّى بزدان وَشَأْنُهُ خَلْقُ الْخَيْرِ وَالظُّلْمَةِ الْمُسَمَّاةِ هُرْمُزَ وَشَأْنُهَا خَلْقُ الشَّرِّ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ قَلْبًا فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّ جَاحِدٌ لِلْبَارِي تَعَالَى بِخِلَافِ الْوَثَنِيِّ فَإِنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ هُمْ الْمُشْرِكُونَ.

[قَتْلُ الْمُرْتَدّ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ]

(قَوْلُهُ فَصَارَتْ كَالْمُرْتَدَّةِ الْأَصْلِيَّةِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّهُ كَالْكَافِرَةِ تَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>