للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُسْلِمِ عَمْدًا ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ ثَانِيهِمَا إذَا لَحِقَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا ضَمَانُ دِيَةِ الْيَدِ فَقَطْ وَلَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ بِالسِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ شَيْئًا أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ السِّرَايَةَ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَانْهَدَرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ يَدَ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّ الْإِهْدَارَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ أَمَّا الْمُعْتَبَرُ قَدْ يَهْدُرُ بِالْإِبْرَاءِ وَبِالْإِعْتَاقِ وَبِالْبَيْعِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ الْقَطْعِ فَإِنَّ الْجَانِي لَا يَضْمَنُ لِلْبَائِعِ ضَمَانَ النَّفْسِ فَلِذَا يَهْدُرُ بِالرِّدَّةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ إذَا قَضَى بِلِحَاقِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا تَقْدِيرًا وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَإِنْ لَمْ يُقْضَ بِلِحَاقِهِ حَتَّى عَادَ مُسْلِمًا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي الْآتِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَعِنْدَهُمَا دِيَةٌ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ بَعْدَ اللِّحَاقِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَمَا قَبْلَ اللِّحَاقِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَمْدًا لِيَكُونَ ضَمَانُ دِيَةِ الْيَدِ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ وَمَاتَ ضَمِنَ الدِّيَةَ) أَيْ كَامِلَةً عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ النِّصْفُ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ فَلَا يَنْقَلِبُ بِالْإِسْلَامِ إلَى الضَّمَانِ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ وَتَمَّتْ فِيهِ فَيَجِبُ ضَمَانُ النَّفْسِ كَمَا إذَا لَمْ تَتَخَلَّلْ الرِّدَّةُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ لِقِيَامِ الْعِصْمَةِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَفِي حَالِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَحَالَةُ الْبَقَاءِ بِمَعْزِلٍ مِنْ ذَلِكَ وَصَارَ كَقِيَامِ الْمِلْكِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْيَمِينِ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَقْطُوعِ هُوَ الْمُرْتَدُّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ وَإِنَّمَا ارْتَدَّ الْقَاطِعُ بَعْدَ الْقَطْعِ ثُمَّ قُتِلَ الْقَاطِعُ أَوْ مَاتَ ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَى أَحَدٍ لِفَوْتِ مَحَلِّ الْقِصَاصِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِتَمَامِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ حِينَ الْقَطْعِ كَانَ مُسْلِمًا وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَتْلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَهَا وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا عَاقِلَةَ لَهُ وَأَشَارَ بِإِضَافَةِ الضَّمَانِ إلَيْهِ إلَى أَنَّهُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُهُ فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ

[ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ وَأُخِذَ بِمَالِهِ وَقُتِلَ]

(قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ وَأُخِذَ بِمَالِهِ وَقُتِلَ فَمُكَاتَبَتُهُ لِمَوْلَاهُ وَمَا بَقِيَ لِوَرَثَتِهِ) أَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ كَسْبَ الرِّدَّةِ مِلْكُهُ إذَا كَانَ حُرًّا فَكَذَا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالْكِتَابَةُ لَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ فَكَذَا أَكْسَابُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ بِالْأَقْوَى وَهُوَ الرِّقُّ فَكَذَا بِالْأَدْنَى وَهُوَ الرِّدَّةُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أُخِذَ بِمَالِهِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَنَّهُ أُسِرَ مَعَ مَالِهِ وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَقُتِلَ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا وُفِّيَتْ كِتَابَتُهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ كَسْبَهُ كَسْبُ مُرْتَدٍّ حُرٍّ فَيَكُونُ فَيْئًا عِنْدَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِحُرِّيَّتِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُقُوقِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْكِتَابَةِ وَهِيَ حُرِّيَّةُ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ وَمِلْكُ كَسْبِهِ رَقَبَةٌ وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ يُعْتَبَرُ عَبْدًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْكِتَابَةِ فَكَذَا كَسْبُهُ لَا يَكُونُ فَيْئًا لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لَا يَكُونُ فَيْئًا فَلَا يُجْعَلُ حُرًّا فِي حَقِّهِ وَالْمُكَاتَبَةُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَفِي الْقَامُوسِ الْمُكَاتَبَةُ التَّكَاتُبُ وَأَنْ يُكَاتِبَك عَبْدُك عَلَى نَفْسِهِ بِثَمَنِهِ فَإِذَا أَدَّاهُ عَتَقَ اهـ.

فَإِطْلَاقُ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى الْبَدَلِ مَجَازٌ كَمَا لَا يَخْفَى.

[ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ]

(قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ الْوَلَدِ) بَيَانٌ لِحُكْمِ وَلَدِ الْمُرْتَدَّةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مُنْفَصِلًا حِينَ الرِّدَّةِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا بِرِدَّتِهِمَا مَعًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِالتَّبَعِيَّةِ فَلَا تَزُولُ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>