للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ «إنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ» وَقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهَا هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ خَرَجَ بَيَانًا لِلْبَيَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَرْفُوعِ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عُرِفَ ثُبُوتُهُ وَالْغَيْبَةُ لَا تُوجِبُ الْفُرْقَةَ وَالْمَوْتُ فِي حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ فَلَا يَزَالُ النِّكَاحُ بِالشَّكِّ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا مُعَجَّلًا فَاعْتُبِرَ فِي الشَّرْعِ مُؤَجَّلًا فَكَانَ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ؛ لِأَنَّ الْغُرْبَةَ تَعْقُبُ الْأَوْبَةَ وَالْعُنَّةُ قَلَّمَا تَنْحَلُّ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهَا سَنَةً

(قَوْلُهُ: وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ تِسْعِينَ سَنَةً) لِأَنَّهُ الْغَايَةُ فِي زَمَانِنَا وَالْحَيَاةُ بَعْدَهَا نَادِرٌ فَلَا عِبْرَةَ لِلنَّادِرِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَوْتِ الْأَقْرَانِ فِي السِّنِّ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّوَادِرِ أَنْ يَعِيشَ الْإِنْسَانُ بَعْدَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ فَلَا يَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِمَوْتِ أَقْرَانِهِ فَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَقِيلَ مِنْ بَلَدِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ التَّقْدِيرَ بِالتِّسْعِينَ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ تَبَعًا لِابْنِ الْفَضْلِ وَهُوَ الْأَرْفَقُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَقْدِيرُهُ بِمِائَةِ سَنَةٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَامِدٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ سِتِّينَ سَنَةً وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنْ لَا يُقَدِّرَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِطَرِيقِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ لَا تَكُونُ وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْأَقْيَسُ وَفَوَّضَهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْقَاضِي فَأَيُّ وَقْتٍ رَأَى الْمَصْلَحَةَ حَكَمَ بِمَوْتِهِ، قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مَا جَاءَ إلَّا مِنْ اخْتِلَافِ الرَّأْيِ أَيْ فِي أَنَّ الْغَالِبَ هَذَا فِي الطُّولِ أَوْ مُطْلَقًا وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَشَايِخِ كَيْفَ يَخْتَارُونَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ عَلَى مُقَلِّدِي أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامُ مُحَمَّدٌ لَمْ يَعْتَبِرْ السِّنِينَ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ بَعْدَهُ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَحْوَطُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَقَدْ صَدَقَ مَنْ قَالَ كَثْرَةُ الْمَقَالَاتِ تُؤْذِنُ بِكَثْرَةِ الْجَهَالَاتِ وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا نَقَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَمَانِينَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

(قَوْلُهُ وَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ وَوُرِثَ مِنْهُ حِينَئِذٍ لَا قَبْلَهُ) أَيْ حِينَ حُكِمَ بِمَوْتِهِ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَالظَّرْفُ قَيْدٌ لِلْحُكْمَيْنِ كَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مُعَايَنَةً إذْ الْحُكْمِيُّ مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ، وَكَذَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ مُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْحَاوِي

[وَلَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ]

قَوْلُهُ (: وَلَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ) أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلِذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِلْمَفْقُودِ وَمَاتَ الْمُوصِي لَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ لَكِنْ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَقْضِي بِهَا وَلَا أُبْطِلُهَا حَتَّى يَظْهَرَ حَالُ الْمَفْقُودِ يَعْنِي يُوقَفُ نَصِيبُ الْمَفْقُودِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ إلَى أَنْ يَقْضِيَ بِمَوْتِهِ فَإِذَا قَضَى بِمَوْتِهِ جُعِلَ كَأَنَّهُ مَاتَ الْآنَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيٌّ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يُورَثُ مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَرِثُ، وَهَذَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ إلَى أَنْ يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ وَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَرِثُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَقَارِبِهِ كَمَا فِي الْحَمْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا فَيَرِثُ فَإِنْ تَبَيَّنَ حَيَاتَهُ فِي وَقْتٍ مَاتَ فِيهِ قَرِيبُهُ وَإِلَّا يَرُدُّ الْمَوْقُوفَ لِأَجَلِهِ إلَى وَارِثِ مُوَرِّثِهِ الَّذِي وَقَفَ مِنْ مَالِهِ

[كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ]

قَوْلُهُ (: وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا وَإِنْ انْتَقَصَ حَقُّهُ بِهِ يُعْطَى أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ) بَيَانُهُ رَجُلٌ مَاتَ عَنْ ابْنَتَيْنِ وَابْنٍ مَفْقُودٍ وَابْنِ ابْنٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَتَصَادَقُوا عَلَى فَقْدِ الِابْنِ وَطَلَبَتْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ) هَذَا الْحَاصِلُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَبَيَانُهُ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي تَقْدِيرِهِ بِتِسْعِينَ أَوْ بِمِائَةٍ أَوْ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيِ فِي الْغَالِبِ فِي طُولِ الْعُمُرِ فَبَعْضُهُمْ رَأَى أَنَّ الْغَالِبَ فِي طُولِ الْعُمُرِ أَيْ الْغَالِبُ فِي نِهَايَةِ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ تِسْعُونَ فَقَدَّرَهُ بِهَا وَبَعْضُهُمْ رَأَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْمِائَةُ فَقَدَّرَ بِهَا وَهَكَذَا وَبَعْضُهُمْ نَظَرَ إلَى الْغَالِبِ مُطْلَقًا أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَطْوَلَ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ الْغَالِبَ فِي أَصْلِ الطُّولِ وَهُوَ السِّتُّونَ فَإِنَّ مَنْ يَعِيشُ إلَى السِّتِّينَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يَعِيشُ إلَى التِّسْعِينَ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعِنْدِي الْأَحْسَنُ سَبْعِينَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» فَكَانَتْ الْمُنْتَهَى غَالِبًا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَشَايِخِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّفَحُّصَ عَنْ مَوْتِ الْأَقْرَانِ غَيْرُ مُمْكِنٍ أَوْ فِيهِ حَرَجٌ فَعَنْ هَذَا اخْتَارَ الْمَشَايِخُ تَقْدِيرَهُ بِالسِّنِّ اهـ.

قُلْتُ: وَقَدْ يَكُونُ هَذَا التَّقْدِيرُ تَفْسِيرًا لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْأَقْرَانُ غَالِبًا لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْغَالِبِ هَلْ الْمُرَادُ أَطْوَلُ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>