للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا تَقْدِيرًا لِلْمَسْحِ بِثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ اهـ.

وَهَكَذَا ذَكَرَ الْأَقْطَعُ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَغْسِلُ خُفَّيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا يَكْفِيك مَسْحُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ» . اهـ.

وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمَقْصُودِ وَفِي قَوْلِهِ مَرَّةً إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَمَسْحِ الرَّأْسِ عَمَلًا بِمَا وَرَدَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسْحٌ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ» بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ إذْ الْخُطُوطُ إنَّمَا تَكُونُ إذَا مَسَحَ مَرَّةً كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْخُطُوطَ لِلْإِشَارَةِ إلَى الرَّدِّ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهَا فَرْضٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُجْتَبَى، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ إظْهَارَ الْخُطُوطِ فِي الْمَسْحِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ نَعَمْ إظْهَارُ الْخُطُوطِ شَرْطُ السُّنِّيَّةِ.

(قَوْلُهُ: بِثَلَاثِ أَصَابِعَ) بَيَانٌ لِمِقْدَارِ آلَةِ الْمَسْحِ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ وَلِبَيَانِ قَدْرِ الْمَمْسُوحِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ وَأَرَادَ أَصَابِعَ الْيَدِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى كَذَا أَطْلَقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ وَعَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَفِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ إلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَيَّدَهَا قَاضِي خَانْ بِكَوْنِهَا مِنْ أَصْغَرِ أَصَابِعِ الْيَدِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ ثَلَاثُ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ آلَةُ الْمَسْحِ وَالثَّلَاثَةُ أَكْثَرُ أَصَابِعِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ مِنْ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ الثَّلَاثَ فَرْضُ الْمَسْحِ وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَمُرَادُهُمْ بِهِ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ التَّقْدِيرَ دُونَ الْفَرْضِ الِاصْطِلَاحِيِّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ؛ وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَذَا فِي التَّوْشِيحِ لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّ مَشَايِخَنَا يُطْلِقُونَ أَصْلَ الْفَرْضِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ إذَا كَانَ الْجَوَازُ يَفُوتُ بِفَوْتِهِ كَغَسْلِ الْمَرَافِقِ وَالْكَعْبَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ وَفِي تَقْدِيرِ الْفَرْضِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَبَقِيَ مِنْهَا أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ بَقِيَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ لَكِنْ مِنْ الْعَقِبِ لَا مِنْ مَوْضِعِ الْمَسْحِ فَلَبِسَ عَلَى الصَّحِيحَةِ أَوْ الْمَقْطُوعَةِ لَا يَمْسَحُ لِوُجُوبِ غَسْلِ ذَلِكَ الْبَاقِي كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَعْبِ حَيْثُ يَجِبُ غَسْلُ الْجَمِيعِ وَلَا يَمْسَحُ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ رِجْلٍ فَلَوْ مَسَحَ عَلَى رِجْلِ أُصْبُعَيْنِ، وَعَلَى الْأُخْرَى قَدْرَ خَمْسَةٍ لَمْ يَجُزْ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَمَدَّهَا حَتَّى بَلَغَ مِقْدَارَ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَ مَاءً جَدِيدًا لَا يَجُوزُ وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَخَذَ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَازَ إنْ مَسَحَ كُلَّ مَرَّةٍ غَيْرَ الْمَوْضِعِ الَّذِي مَسَحَهُ كَأَنَّهُ مَسَحَ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ

وَلَوْ مَسَحَ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ إنْ كَانَتَا مَفْتُوحَتَيْنِ جَازَ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ أُصْبُعٍ وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَسْحِ الرَّأْسِ، فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا فَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ الْجَوَازَ بِنَاءً عَلَى التَّقْدِيرِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَصَحَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى التَّقْدِيرِ بِالرُّبْعِ وَهُنَا لَمَّا اتَّفَقُوا فِي الْأَصَحِّ عَلَى الثَّلَاثِ كَانَ الْإِجْزَاءُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الِاتِّفَاقَ بِالْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي الْكَافِي قَالَ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فَمَنْ شَرَطَ ثَمَّةَ الرُّبْعِ شَرَطَ الرُّبْعَ هُنَا وَمَنْ شَرَطَ الْأَدْنَى شَرَطَهُ هُنَا اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الرَّاجِحُ الرُّبْعُ وَهُنَا الرَّاجِحُ الثَّلَاثُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَوْ مَسَحَ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَجَافَى أُصُولَ الْأَصَابِعِ الْكَفَّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ مَسَحَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا أَوْ لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا فِي الْمُنْيَةِ أَوْلَى مِمَّا فِي الْخُلَاصَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مَنْصُوبَةٍ غَيْرَ مَوْضُوعَةٍ وَلَا مَمْدُودَةٍ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَلَوْ أَصَابَ مَوْضِعَ الْمَسْحِ مَاءٌ أَوْ مَطَرٌ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ جَازَ وَكَذَا لَوْ مَشَى فِي حَشِيشٍ مُبْتَلٍّ بِالْمَطَرِ وَلَوْ كَانَ مُبْتَلًّا بِالطَّلِّ وَأَصَابَ الْخُفَّ طَلٌّ قَدْرَ الْوَاجِبِ قِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ يَجْذِبُهُ الْهَوَاءُ

ــ

[منحة الخالق]

[بَيَان مِقْدَارِ آلَةِ الْمَسْحِ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

(قَوْلُهُ: وَأَرَادَ أَصَابِعَ الْيَدِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى اللَّابِسِ إيمَاءً إلَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ مَنْ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ فَفَعَلَ صَحَّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ مَسَحَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ إلَخْ) رَأَيْت فِي هَامِشِ نُسْخَةٍ مِنْ الْبَحْرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي مَسَائِلِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَوْ مَسَحَ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَجَافَى أُصُولَ الْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مَا ابْتَلَّ مِنْ الْخُفِّ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ. اهـ.

وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا فَمَذْكُورٌ فِي مَسَائِلِ مَسْحِ الرَّأْسِ لَكِنْ لَمْ يُتِمَّ الْعِبَارَةَ وَالْعِبَارَةُ بِتَمَامِهَا وَلَوْ مَسَحَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا أَوْ لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ بُرْهَانُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. فَلْيُرَاجَعْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>