للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِهِ وَقَفْتُهُ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِالْإِذْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ وَالتَّخْلِيَةِ بِكَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فَكَانَ كَالتَّعْبِيرِ بِهِ فَكَانَ كَمَنْ قَدَّمَ طَعَامًا إلَى ضَيْفِهِ أَوْ نَثَرَ نُثَارًا كَانَ إذْنًا فِي أَكْلِهِ وَالْتِقَاطِهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْإِذْنِ بِالِاسْتِغْلَالِ وَلَوْ جَرَتْ بِهِ فِي عُرْفٍ اكْتَفَيْنَا بِذَلِكَ كَمَسْأَلَتِنَا وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ

وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْتُهُ مَسْجِدًا وَلَمْ يَأْذَنْ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَحَدٌ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا بِلَا حُكْمٍ وَهُوَ بَعِيدٌ ذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى النَّقْلِ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ إلَى آخِرِهِ فَأَفَادَ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ مِلْكَ الْأَرْضِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ سُلْطَانًا أَذِنَ لِقَوْمٍ أَنْ يَجْعَلُوا أَرْضًا مِنْ أَرَاضِيِ الْبَلْدَةِ حَوَانِيتَ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا فِي مَسْجِدِهِمْ قَالُوا إنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ وَالنَّاسِ يَنْفُذُ أَمْرُ السُّلْطَانِ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ صُلْحًا لَا يَنْفُذُ أَمْرُ السُّلْطَانِ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ تَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ فَجَازَ أَمْرُ السُّلْطَانِ فِيهَا وَفِي الثَّانِي تَبْقَى عَلَى مِلْكِ مُلَّاكِهَا فَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُ فِيهَا اهـ.

وَلِذَا قَالُوا لَوْ اشْتَرَى دَارًا لَهَا شَفِيعٌ فَجَعَلَهَا مَسْجِدًا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْمَسْجِدَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَشَارَ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ أَذِنْتُ فِيهِ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً أَبَدًا بَلْ الْإِطْلَاقُ كَافٍ لَكِنْ لَوْ قَالَ صَلُّوا فِيهِ جَمَاعَةً صَلَاةً أَوْ صَلَاتَيْنِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا لَا يَكُونُ مَسْجِدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي الرَّحْبَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ اُخْتُلِفَ فِي مَسْجِدِ الدَّارِ وَالْخَانِ وَالرِّبَاطِ أَنَّهُ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ أَمْ لَا وَالْأَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا أَغْلَقَ بَابَ الدَّارِ فَهُوَ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي فِي الدَّارِ إذَا لَمْ يَمْنَعُوا غَيْرَهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ مَسْجِدَ الزُّقَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِنَافِذٍ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ فَإِنْ صَلَّوْا فِيهِ فِي وَقْتٍ أَغْلَقُوا بَابَ الزُّقَاقِ كَذَا هَذَا وَعَنْهُ إنْ كَانَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ فِي الدَّارِ بَعْدَ الْإِغْلَاقِ لَا يَمْنَعُونَ غَيْرَهُمْ فِي الْأَوْقَاتِ الْأُخَرِ فَهُوَ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ وَإِلَّا فَلَا (فخ) مِثْلُهُ.

وَعَنْ مَحْمُودٍ الْأُوزْجَنْدِيِّ لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدِ زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ لِأَنَّ طَرِيقَهُ مَمْلُوكٌ لِأَهْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حَائِطٌ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ التَّطَرُّقُ إلَيْهِ مِنْ حَقِّ الْعَامَّةِ فَيَخْلُصُ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَصِيرُ مَسْجِدًا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ (فخ) أَصَحُّ وَقَدْ رَأَيْنَا بِبُخَارَى وَغَيْرِهَا فِي دُورٍ وَسِكَكٍ فِي أَزِقَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ مِنْ غَيْرِ شَكِّ الْأَئِمَّةِ وَالْعَوَامِّ فِي كَوْنِهَا مَسَاجِدَ فَعَلَى هَذَا الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الْمَدَارِسِ بِجُرْجَانِيَّةَ خَوَارِزْم مَسَاجِدُ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَإِذَا أُغْلِقَتْ يَكُونُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهَا. اهـ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا نَقْشُهُ بِالْجِصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ وَفِي الْمُجْتَبَى لَا يَجُوزُ لِقَيِّمِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَبْنِيَ حَوَانِيتَ فِي حَدِّ الْمَسْجِدِ أَوْ فِنَائِهِ قَيِّمٌ يُبِيحُ فِنَاءَ الْمَسْجِدِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ الْقَوْمُ أَوْ يَضَعُ فِيهِ سُرَرًا أَجَّرَهَا لِيَتَّجِرَ فِيهَا النَّاسُ فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ لِصَلَاحِ الْمَسْجِدِ وَيُعْذَرُ الْمُسْتَأْجِرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا لَمْ يَكُنْ مَمَرَّ الْعَامَّةِ، وَفِنَاءُ الْمَسْجِدِ مَا كَانَ عَلَيْهِ ظُلَّةُ الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَمَرًّا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ تِلْكَ الْأُجْرَةِ إلَى نَفْسِهِ وَلَا إلَى الْإِمَامِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا بَأْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَخْلِطَ غَلَّةَ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ الْمُخْتَلِفَةِ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ أَوْ اخْتَلَفَ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ مَسْجِدٌ لَهُ أَوْقَافٌ وَلَا قَيِّمَ فِيهِ فَجَمَعَ بَعْضُ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ غَلَّاتِهَا وَأَنْفَقَهَا فِي حُصْرِهِ وَإِدْهَانِهِ وَحَشِيشِهِ لَمْ يَضْمَنْ دِيَانَةً اسْتِحْسَانًا وَلَوْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ضَمَّنَهُ وَفِي تَوْلِيَةِ أَهْلِ الْمَحَلِّ قَيِّمًا عَلَى أَوْقَافِهِ بِدُونِ إذْنِ الْقَاضِي اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ وَأَفْتَى مَشَايِخُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُتَوَلِّيًا ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأُسْتَاذُونَا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَنْصِبُوا مُتَوَلِّيًا وَلَا يُعْلِمُوا بِهِ الْقَاضِيَ فِي زَمَانِنَا لِطَمَعِ الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ تَنَازَعَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَالْبَانِي فِي عِمَارَتِهِ

ــ

[منحة الخالق]

[قَالَ وَقَفْتُهُ مَسْجِدًا وَلَمْ يَأْذَنْ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَحَدٌ]

(قَوْلُهُ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا بِلَا حُكْمٍ وَهُوَ بَعِيدٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا قَالَ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا فَالْعُرْفُ قَاضٍ وَمَاضٍ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الْقَضَاءِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَدَّدَ فِيهِ (قَوْلُهُ فَأَفَادَ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ مِلْكَ الْأَرْضِ) مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ إلَخْ) مُفَادُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ أَيْ الْمَفْتُوحِ عَنْوَةً مَا إذَا كَانَ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِجُمْلَتِهِمْ أَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَكُلُّ مَنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ مَلَكَهُ مِلْكًا حَقِيقَةً فَصَارَ مِثْلَ الثَّانِي وَهُوَ مَا لَوْ فُتِحَتْ صُلْحًا وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ لَكِنْ لَوْ قَالَ صَلُّوا فِيهِ جَمَاعَةً صَلَاةً أَوْ صَلَاتَيْنِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا لَا يَكُونُ مَسْجِدًا) قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>