للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ فِي الْأَوْقَافِ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَجَازَ وَقْفَ الْمَقَابِرِ وَالطُّرُقِ قَالَ هِلَالٌ وَكَذَلِكَ الْقَنْطَرَةُ يَتَّخِذُهَا الرَّجُلُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَطَرَّقُونَ فِيهَا لَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ وَقَدْ صَارَ وَقْفًا وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَفِي الْقُنْيَةِ صَغِيرٌ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ السِّقَايَةِ مَاءً لِإِصْلَاحِ الدَّوَاةِ أَوْ قَصْعَةً لِلشُّرْبِ ثُمَّ بَلَغَ فَنَدِمَ لَا يَكْفِيهِ النَّدَمُ بَلْ يَرُدُّ الضَّمَانَ إلَى الْقَيِّمِ وَلَا يَجْزِيهِ صَبُّ مِثْلِهِ فِي السِّقَايَةِ أَخَذَ مِنْ السِّقَايَةِ مَاءً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى بَلَغَ جَرَّةً مَثَلًا وَكَانَ الْقَيِّمُ قَدْ صَبَّ فِي تِلْكَ السِّقَايَةِ خَمْسِينَ جَرَّةً فَصَبَّ هُوَ جَرَّةً قَضَاءً لِلْحَقِّ بَعْدَ إذْنِ الْقَيِّمِ صَارَ ضَامِنًا لِلْكُلِّ دَارٌ مَوْقُوفَةٌ لِلْمَاءِ وَالْجَمَدِ لَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّتِهَا خَابِيَةً لِيَسْقِيَ الْمَاءَ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يُدْفَنَ فِيهَا أَقْرِبَاؤُهُ فَإِذَا انْقَطَعُوا فَأَخَّرَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَدَفَنَ فِيهَا مِنْ أَقْرِبَائِهِ حَالَ حَيَاتِهِ صَحَّ الْوَقْفُ.

وَلَوْ وَقَفَ مَقْبَرَةً أَوْ خَانًا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَدْفِنَ فِيهَا أَوْ يُنْزِلَ فِيهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا صَحَّ كَعَكْسِهِ) يَعْنِي إذَا بَنَى قَوْمٌ مَسْجِدًا وَاحْتَاجُوا إلَى مَكَان لِيَتَّسِعَ فَأَدْخَلُوا شَيْئًا مِنْ الطَّرِيقِ لِيَتَّسِعَ الْمَسْجِدُ وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِأَصْحَابِ الطَّرِيقِ جَازَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى النَّاسِ وَبِجَنْبِهِ أَرْضٌ لِرَجُلٍ تُؤْخَذُ أَرْضُهُ بِالْقِيمَةِ كَرْهًا لِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمَّا ضَاقَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَخَذُوا أَرْضِينَ بِكُرْهٍ مِنْ أَصْحَابِهَا بِالْقِيمَةِ وَزَادُوا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ كَعَكْسِهِ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ فِي الْمَسْجِدِ مَمَرًّا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِتَعَارُفِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي الْجَوَامِعِ وَجَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ حَتَّى الْكَافِرِ إلَّا الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا فِيهِ الدَّوَابَّ.

كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْخَانِيَّةِ طَرِيقٌ لِلْعَامَّةِ وَهِيَ وَاسِعَةٌ فَبَنَى فِيهِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ مَسْجِدًا لِلْعَامَّةِ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالطَّرِيقِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِهِ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمَسْجِدُ لَهُمْ أَيْضًا وَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنْ يُدْخِلُوا شَيْئًا مِنْ الطَّرِيقِ فِي دُورِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ لَا يَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ وَلِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ تَحْوِيلُ بَابِ الْمَسْجِدِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ.

قَوْمٌ بَنَوْا مَسْجِدًا وَاحْتَاجُوا إلَى مَكَان لِيَتَّسِعَ الْمَسْجِدُ فَأَخَذُوا مِنْ الطَّرِيقِ وَأَدْخَلُوهُ فِي الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى النَّاسِ وَبِجَنْبِهِ أَرْضٌ لِرَجُلٍ تُؤْخَذُ أَرْضُهُ بِالْقِيمَةِ كَرْهًا وَلَوْ كَانَ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ أَرْضُ وَقْفٍ عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَرَادُوا أَنْ يَزِيدُوا شَيْئًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْأَرْضِ جَازَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي. اهـ.

وَقَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ بِزِيَادَةِ الْمَسْجِدِ مِنْ الطَّرِيقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

(كِتَابُ الْبَيْعِ)

قَدَّمْنَا فِي الطَّهَارَةِ أَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ أَرْبَعَةٌ: حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصَةٌ وَحُقُوقُ الْعِبَادِ خَالِصَةٌ وَمَا اجْتَمَعَا وَغَلَبَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا اجْتَمَعَا وَغَلَبَ حَقُّ الْعَبْدِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ خَلْقِ الثَّقَلَيْنِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَبَدَأَ بِالنِّكَاحِ وَمَا يَتْبَعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَذَكَرَ الْعَتَاقَ لِمُنَاسَبَةِ الطَّلَاقِ فِي الْإِسْقَاطِ، ثُمَّ الْأَيْمَانَ لِمُنَاسَبَتِهَا لِكِلَيْهِمَا، ثُمَّ الْحُدُودَ لِمُنَاسَبَتِهَا لِلْيَمِينِ مِنْ جِهَةِ الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ وَالْحُدُودُ عُقُوبَاتٌ، ثُمَّ ذَكَرَ السِّيَرَ بَعْدَهَا لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ. وَالثَّانِي مَعَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ اللَّقِيطَ لِلِاشْتِرَاكِ فِي كَوْنِ النُّفُوسِ عُرْضَةٌ لِلْفَوَاتِ، ثُمَّ اللُّقَطَةَ لِلِاشْتِرَاكِ فِي كَوْنِ الْأَمْوَالِ كَذَلِكَ، وَكَذَا فِي الْإِبَاقِ وَالْمَفْقُودِ، ثُمَّ ذَكَرَ الشَّرِكَةَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمَّا كَانَ فِيهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الشَّرِيكِ كَانَ بِعَرْضِيَّةِ التَّوَى، ثُمَّ الْوَقْفَ بَعْدَهَا

ــ

[منحة الخالق]

وَإِنْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا صَحَّ كَعَكْسِهِ

[كِتَابُ الْبَيْعِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>