للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُصَنِّفِ جَوَازُ الْبَيْعِ بِالْإِنَاءِ وَالْحَجَرِ لَا لُزُومُهُ فَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ جَمْعِ التَّفَارِيقِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ.

[اشْتَرَى بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا ثُمَّ عِلْم بِهِ]

وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ لَوْ اشْتَرَى بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مَحْمَلَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا كَالسَّلَمِ أَيْ لَا يَلْزَمُ اهـ.

وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلِذَا قَالَ إنَّ الْجَوَازَ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ وَشَرْطٌ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ تَعْجِيلِ التَّسْلِيمِ، وَمِنْ هُنَا طَعَنَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى مَنْ اشْتَرَطَ فِيمَا يُوزَنُ بِهِ أَنْ لَا يُحْتَمَلَ النُّقْصَانُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا جَفَافَ يُوجِبُ النُّقْصَانَ وَمَا قَدْ يَعْرِضُ مِنْ تَأَخُّرِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ مَمْنُوعٌ بَلْ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي السَّلَمِ إلَى آخِرِ مَا حَقَّقَهُ وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا، وَهَذَا الْخِيَارُ خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَفِيرَةِ وَالْمَطْمُورَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بَاعَهُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ قَدْرَ مَا يَمْلَأُ هَذَا الطَّشْتَ جَازَ، وَلَوْ بَاعَهُ قَدْرَ مَا يَمْلَأُ هَذَا الْبَيْتَ لَا يَجُوزُ اهـ.

وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْقَصَعَةُ مَعَ الطَّشْتِ وَقَدَّمْنَا مَا إذَا بَاعَهُ جَمِيعَ مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ أَوْ الدَّارِ أَوْ الصُّنْدُوقِ أَوْ الْقِرْبَةِ وَيُشْتَرَطُ لِبَقَاءِ عَقْدِ الْبَيْعِ عَلَى الصِّحَّةِ بَقَاءُ الْإِنَاءِ وَالْحَجَرِ عَلَى حَالِهِمَا فَلَوْ تَلِفَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَبْلَغُ مَا بَاعَهُ مِنْهُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. .

(قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةً كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي صَاعٍ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جَمِيعَ قُفْزَانِهَا أَوْ جَمِيعَ ثَمَنِهَا، وَقَالَا يَصِحُّ مُطْلَقًا لَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إلَى الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ مَعْلُومٌ إلَّا أَنْ تَزُولَ الْجَهَالَةُ بِتَسْمِيَةِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَهُمَا أَنَّ الْجَهَالَةَ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا وَمِثْلُهَا غَيْرُ مَانِعٍ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْخِيَارَ عَلَى قَوْلِهِ قَالُوا لَهُ الْخِيَارُ فِي الْوَاحِدِ كَمَا إذَا رَآهُ، وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ وَقْتَ الْبَيْعِ.

وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا لِتَأْخِيرِهِ دَلِيلُهُمَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي نَظِيرِهِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، فَقَالَ رَجُلٌ اشْتَرَى الْعِنَبَ كُلَّ وِقْرٍ بِكَذَا وَالْوِقْرُ عِنْدَهُمْ مَعْرُوفٌ إنْ كَانَ الْعِنَبُ عِنْدَهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ فِي وِقْرٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَ الْعِنَبُ عِنْدَهُمْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَبَيْعِ قَطِيعِ الْغَنَمِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا

ــ

[منحة الخالق]

[رَجُلٌ لَهُ زَرْعٌ قَدْ اُسْتُحْصِدَ فَبَاعَ حِنْطَتَهُ]

(قَوْلُهُ بَلْ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ) أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ نَفْيُ الْجَوَازِ حَقِيقَةً لَا نَفْيُ اللُّزُومِ بِقَرِينَةِ تَصْحِيحِهِ لِقَابِلِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَصَحُّ خِلَافَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ بِالْحَمْلِ الْمَذْكُورِ تَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فَلَا يَدْفَعُهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ نَعَمْ الْأَوْلَى مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ عِبَارَتُهُ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى طَعَامًا بِإِنَاءٍ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ قَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكَايَلَةٍ وَلَا مُجَازَفَةٍ اهـ.

وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَمْنَعُ هَذَا الْحَمْلَ فَتَدَبَّرْهُ اهـ.

(قَوْلُهُ، وَمِنْ هُنَا طَعَنَ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ مَا يُوزَنُ بِهِ لَا يَحْتَمِلُ النُّقْصَانَ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِوَزْنِ هَذِهِ الْبِطِّيخَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْتَقِصُ بِالْجَفَافِ وَعَوَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ الْبَيْعَ بِوَزْنٍ بِعَيْنِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ تَعَجُّلِ التَّسْلِيمِ وَلَا جَفَافَ يُوجِبُ نَقْصًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَمَا قَدْ يَعْرِضُ مِنْ تَأَخُّرِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ مَمْنُوعٌ بَلْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِي وَزْنِ ذَلِكَ الْحَجَرِ لِخَشْيَةِ الْهَلَاكِ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ الْمَانِعَةُ مِنْهُ وَالْغَرَضُ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّلَمِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَأَخُّرَ التَّسْلِيمِ فِيهِ إلَى مَجْلِسٍ آخَرَ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ إنْ نَدَرَ فَالِاخْتِلَافُ فِي أَنَّهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَالتُّهْمَةُ فِيهِ لَيْسَ بِنَادِرٍ وَكُلُّ الْعِبَارَاتِ تُفِيدُ تَقَيُّدَ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ بِالتَّعْجِيلِ كَمَا فِي عِبَارَةِ الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ لَوْ اشْتَرَى بِهَذَا الْإِنَاءِ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ إنَّ فِي الْمُعَيَّنِ الْبَيْعَ مُجَازَفَةً يَجُوزُ فَبِمِكْيَالٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ أَوْلَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَقِبَ الْبَيْعِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ اهـ.

كَلَامُ الْمُحَقِّقِ سَقَى اللَّهُ ضَرِيحَهُ صَيِّبَ الْعَفْوِ وَالرِّضْوَانَ.

[بَاعَ صُبْرَةً كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ]

(قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي نَظِيرِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ بِهِ يُفْتَى لَا لِضَعْفِ دَلِيلِ الْإِمَامِ بَلْ تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا، فَقَالَ رُجِّحَ قَوْلُهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي نَظِيرِهِ اهـ.

وَعَزَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِثْلَ مَا فِي النَّهْرِ إلَى الشرنبلالية عَنْ الْبُرْهَانِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ قُلْتُ: لَكِنْ قُرِّرَ فِي الْفَتْحِ دَلِيلُ قَوْلِهِ وَدَلِيلُ قَوْلِهِمَا، ثُمَّ قَالَ وَحِينَئِذٍ تَرَجَّحَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ قَالَ وَتَأْخِيرُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ دَلِيلَهُمَا ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِهِ قَوْلَهُمَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ اهـ.

وَفِي تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ يُرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا رَجَّحَهُ فِي الْكَافِي وَاعْتَمَدَهُ الْمَحْبُوبِيُّ وَالنَّسَفِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَا فِي بَيْعِ الْقَطِيعِ وَالزَّرْعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا تَرْجِيحٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ قُوَّةُ الدَّلِيلِ وَالْأَوَّلُ تَرْجِيحٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَيْسَرَ عَلَى النَّاسِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>