للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَخْتَلِفُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا مَا عَنْ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيْ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ مَتْرُوكٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَفِي الْمُغْرِبِ انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيْ عَلِيٍّ صَوَابُهُ كُسِرَ أَحَدُ زَنْدَيْهِ؛ لِأَنَّ الزَّنْدَ مُذَكَّرٌ وَالزَّنْدَانِ عَظْمَا السَّاعِدِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى خِلَافًا فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ الْكَسْرُ يَوْمَ أُحُدٍ أَوْ يَوْمَ خَيْبَرَ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخَرِّجَ أَحَادِيثَ دَالَّةً عَلَى الْجَوَازِ وَضَعَّفَهَا وَيَكْفِي فِي هَذَا الْبَابِ مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْعِصَابَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ فِي هَذَا كَالْمَرْفُوعِ، فَإِنَّ الْأَبْدَالَ لَا تَنْصِبُ بِالرَّأْيِ وَالْبَاقِي اسْتِئْنَاسٌ لَا يَضُرُّهُ التَّضْعِيفُ إنْ تَمَّ إذَا لَمْ يُقَوِّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَمَّا إذَا قَوِيَ فَلْيُسْتَدَلَّ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِفَةَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالْمُلْحَقَ بِهَا لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ يَضُرُّهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ فَالْمَسْحُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ فَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَالْمَسْحُ يَضُرُّهُ جَازَ، فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ

وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَحْكِ فِي الْأَصْلِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ عِنْدَهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ عِنْدَهُ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ حَتَّى يَجُوزَ بِدُونِهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَأَوْجَبَ الْعَمَلَ بِهِ دُونَ الْعِلْمِ فَحَكَمْنَا بِوُجُوبِ الْمَسْحِ عَمَلًا وَلَمْ نَحْكُمْ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ حَالَ عَدَمِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْفَسَادِ يَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ لَا يُوجِبُهُ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالزِّيَادَاتِ وَالذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمَسْحَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُ وَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي تَجْرِيدِهِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَكَذَا صَحَّحَ فِي الْغَايَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّجْنِيسِ الِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ اهـ.

وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ الْوُجُوبُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَصَحُّ وَعَلَيْهِ

ــ

[منحة الخالق]

[الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعُ وَالْقُفَّازُ]

(قَوْلُهُ: وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ إلَخْ) أَقُولُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ حَمْلُ عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضِيَّةُ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ أَيَّاهَا بَعْدَ نَقْلِ الْقَوْلِ بِرُجُوعِ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا أَيْ وَهُمَا يَقُولَانِ بِالْفَرْضِيَّةِ لَكِنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فَقَالَ ثُمَّ الْمَسْحُ مُسْتَحَبٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَاجِبٌ عِنْدَ هُمَا وَقِيلَ إنَّ الْوُجُوبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ الْمَسْحُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا اهـ.

وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ لَهُمَا قَوْلَيْنِ قَوْلًا بِالْوُجُوبِ وَقَوْلًا بِالْفَرْضِيَّةِ كَمَا أَنَّ لَهُ قَوْلًا بِالِاسْتِحْبَابِ وَقَوْلًا بِالْوُجُوبِ فَعَلَى هَذَا فَرُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا رُجُوعٌ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ إلَى الْوُجُوبِ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ الْأَصَحَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى هُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالزِّيَادَاتِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ قَائِلٌ بِالْوُجُوبِ فَحَمْلُ الْوُجُوبِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ بَعِيدٌ لِمَا قُلْنَا؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ الظَّاهِرِ مِنْ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَوَاجِبٌ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ غَيْرُ الْفَرْضِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ قَوْلُهُمَا بِالِافْتِرَاضِ آخَرَ فَقَوْلُهُ إنَّ الْوُجُوبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْوُجُوبَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنَ الْأَوَّلِ غَالِبًا وَلَا يُقَالُ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ إلَخْ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ هُنَا الِافْتِرَاضُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ مِنْ الْآحَادِ فَغَايَةُ مَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ كَمَا قَرَّرَهُ الْمُحَقِّقُ وَلَمَّا كَانَ دَلِيلُ التَّيَمُّمِ قَطْعِيًّا كَانَ الثَّابِتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةَ فَالتَّشْبِيهُ بِالتَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ قَائِمٌ مَقَامَ غَسْلِ الْعُضْوِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ وَكَمَا لَا يُقَالُ إلَخْ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُعْطِيَ الْمُشَبَّهَ مَا لِلْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ قَوْلُ الْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى يَجُوزَ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ

وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ حَتَّى تَجُوزَ صَلَاتُهُ بِدُونِهِ اهـ.

وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُثْبَتَ أَوَّلًا وَالْمَنْفِيَّ ثَانِيًا هُوَ الْوُجُوبُ الِاصْطِلَاحِيُّ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْغَايَةِ وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْحِ هَلْ هُوَ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَعِنْدَهُمَا وَاجِبٌ وَقِيلَ فِي التَّوْفِيقِ الْوُجُوبُ الْمَنْفِيُّ عِنْدَهُ بِمَعْنَى الْفَرْضِ وَعِنْدَهُمَا الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ وُجُوبُ الْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ وَنُقِلَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الِاسْتِحْبَابُ وَالْوُجُوبُ وَالْجَوَازُ وَقِيلَ هُوَ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا وَاجِبٌ عِنْدَهُ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ الْمُثْبَتَ عِنْدَهُمَا فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ الثَّالِثِ، وَأَمَّا الْمَنْفِيُّ عِنْدَهُ فَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ ثُمَّ الْمُرَادُ عَلَى الْأَوَّلِ الِاسْتِحْبَابُ فَقَطْ وَعَلَى الثَّالِثِ الْوُجُوبُ فَقَطْ وَعَلَى الثَّانِي أَحَدُ هَذَيْنِ أَوْ الْوُجُوبُ

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ وَقِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ فَانْظُرْ كَيْفَ نَسَبُوا إلَيْهَا تَارَةً الْقَوْلَ بِالْفَرْضِيَّةِ وَتَارَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>