للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْعُهُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَوْ بِقَضَاءِ قَاضٍ حَنْبَلِيٍّ بِبَيْعِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُ بَيْعَ الْوُقُوفِ يَجُوزُ، وَيَشْتَرِي بِبَدَلِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْوَقْفُ كَالْحُرِّ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الْمُجَوِّزَةِ لِبَيْعِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ

(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

أَيْ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَدَّمْنَا أَنَّ فِعْلَهُ مَعْصِيَةٌ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْهَا بِفَسْخِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ، وَكُلُّ مَنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا تُنَالُ بِهِ نِعْمَةُ الْمِلْكِ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ لِلتَّضَادِّ، وَلِهَذَا لَا يُفِيدُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ، وَرُكْنُهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَفِيهِ الْكَلَامُ وَالنَّهْيُ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا لِاقْتِضَائِهِ التَّصَوُّرَ فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ، وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ إنَّمَا الْمَحْظُورَةُ مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ الْمُجَاوِرِ إذْ هُوَ وَاجِبُ الرَّفْعِ بِالِاسْتِرْدَادِ فَبِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ ضَعُفَ لِمَكَانِ اقْتِرَابِهِ بِالْقُبْحِ فَيُشْتَرَطُ اعْتِضَادُهُ بِالْقَبْضِ فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، وَالْمَيْتَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ، وَلَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَشَيْءٌ آخَرُ أَنَّ فِي الْخَمْرِ الْوَاجِبُ هُوَ الْقِيمَةُ، وَهِيَ تَصْلُحُ ثَمَنًا لَا مُثَمِّنًا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِذِكْرِ الْقَبْضِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ فَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِيهِ لَا تَكْفِي.

وَصَحَّحَهُ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ، وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي بَابِ قَبْضِ الْمَبِيعِ أَنَّهَا قَبْضٌ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ قَبْضَ الْوَكِيلِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ صَحِيحٌ كَالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَقَبْضِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ اهـ.

وَخَرَجَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا مِلْكَ لَهُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقَبْضَ الْحُكْمِيَّ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا، وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَأَمَرَ الْبَائِعَ بِإِعْتَاقِهِ فَأَعْتَقَهُ صَحَّ عِتْقُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَهَذِهِ عَجِيبَةٌ حَيْثُ مَلَكَ الْمَأْمُورُ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْآمِرُ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ بَيْعَ الْهَازِلِ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ فِي الْأُصُولِ، وَأَنَّ الْأَبَ إذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَاسِدٌ أَوْ بَاعَ كَذَلِكَ فَالْقَبْضُ لَا يَكْفِي، وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِقَبْضِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بَاطِلٌ فَحِينَئِذٍ لَا يَرُدُّ عَلَى

ــ

[منحة الخالق]

[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) .

(قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ لَوْ كَانَ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ، وَهِيَ حَاضِرَةٌ مَلَكَهَا قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ مُخَرَّجًا عَلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ قَبْضٌ، وَلِذَا قَيَّدَهُ بِكَوْنِهَا حَاضِرَةً، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا (قَوْلُهُ وَهَذِهِ عَجِيبَةٌ إلَخْ) قَدْ مَرَّ فِي أَمْرِ الذِّمِّيِّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرُ نَظِيرُهَا (قَوْلُهُ وَأَنَّ الْأَبَ إذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَاسِدًا) صَوَابُ الْعِبَارَةِ إذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ فَاسِدًا أَوْ بَاعَ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهِ كَذَلِكَ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الْمُحِيطِ بَاعَ عَبْدًا مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَاسِدًا أَوْ اشْتَرَى عَبْدَهُ لِنَفْسِهِ فَاسِدًا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَيَسْتَعْمِلَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بَاطِلٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ عِوَضَيْ بَيْعِ الْهَازِلِ مَالٌ فَكَيْفَ يَكُونُ بَاطِلًا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْأُصُولِ، وَالْفُرُوعِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ يَقَعُ فَاسِدًا لَكِنَّهُ يَنْقُضُ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِعَدَمِ الرِّضَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ إنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بَاطِلٌ أَيْ يُشْبِهُ الْبَاطِلَ فِي عَدَمِ إفَادَتِهِ الْمِلْكَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْفَاسِدُ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَنَوْعٌ لَا يُفِيدُهُ.

ثُمَّ رَأَيْتُ فِي قَاضِي خَانْ التَّصْرِيحَ بِبُطْلَانِهِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ تَلْجِئَةٌ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُ التَّلْجِئَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِي التَّلْجِئَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَسْتَحْلِفُ الْآخَرُ، وَصُورَةُ التَّلْجِئَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ إنِّي أَبِيعُ دَارِي مِنْكَ بِكَذَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ هُوَ تَلْجِئَةٌ، وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَبِيعُ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَهَذَا الْبَيْعُ يَكُونُ بَاطِلًا بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْهَازِلِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْعُ التَّلْجِئَةِ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ، وَلَا يُشْبِهُ الْمُشْتَرَى مِنْ الْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا اهـ.

مِنْ الْغَزِّيِّ، وَفِي قَاضِي خَانْ أَيْضًا، وَذَكَرَ فِي إقْرَارِ الْأَصْلِ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>