للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدَّقِيقِ وَزْنًا يَجُوزُ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُبْرِئَ كُلٌّ صَاحِبَهُ، وَالْجَوَازُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَرِوَايَةُ الْأَصْلِ بِخِلَافِهِ، اسْتِقْرَاضُ الْحِنْطَةِ وَزْنًا يَجُوزُ، وَعَنْهُمَا خِلَافُهُ، بُخَارِيٌّ اسْتَقْرَضَ مِنْ سَمَرْقَنْدِيٍّ حِنْطَةً بِسَمَرْقَنْدَ لِيَدْفَعَهَا بِبُخَارَى لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ إلَّا بِسَمَرْقَنْدَ، وَفِي اسْتِقْرَاضِ السِّرْقِينِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِثْلِيٌّ أَوْ قِيَمِيٌّ، وَاسْتِقْرَاضُ الْعَجِينِ فِي بِلَادِنَا وَزْنًا يَجُوزُ لَا جُزَافًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِاسْتِقْرَاضِ الْخَمِيرَةِ، وَيَنْبَغِي الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ وَزْنٍ «، وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَمِيرَةٍ يَتَعَاطَاهَا الْجِيرَانُ أَيَكُونُ رِبًا فَقَالَ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ» أَنْفَقَ مِنْ قَصَّابٍ لُحُومًا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَرْضٌ أَوْ شِرَاءٌ فَذَلِكَ قَرْضٌ فَاسِدٌ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، الْقَرْضُ الْفَاسِدُ يُفِيدُ عِنْدَ الْقَبْضِ الْمِلْكَ، يُعْطِيهِ مَدْيُونَهُ حِنْطَةً يُنْفِقُهَا وَيَحْسِبَانِهَا فَلَهُ إنْفَاقُهَا وَتَكُونُ قَرْضًا، وَالدِّبْسُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِقْرَاضُهُ، عِشْرُونَ رَجُلًا جَاءُوا وَاسْتَقْرَضُوا مِنْ رَجُلٍ وَأَمَرُوهُ أَنْ يَدْفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَدَفَعَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ إلَّا حِصَّتَهُ، وَحَصَلَ بِهَذَا رِوَايَةُ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الْقَرْضِ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ الرِّبَا)

وَجْهُ مُنَاسَبَتِهِ لِلْمُرَابَحَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةً إلَّا أَنَّ تِلْكَ حَلَالٌ، وَهَذِهِ حَرَامٌ، وَالْحِلُّ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ، وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَفَتْحُهَا خَطَأٌ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الرِّبَا الْفَضْلُ، وَالزِّيَادَةُ، وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَشْهُرِ، وَيُثَنَّى رِبَوَانِ بِالْوَاوِ عَلَى الْأَصْلِ، وَقَدْ يُقَالُ رِبَيَانِ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَيُنْسَبُ إلَيْهِ عَلَى لَفْظِهِ فَيُقَالُ رِبَوِيٌّ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَغَيْرُهُ، وَزَادَ الْمُطَرِّزِيُّ فَقَالَ الْفَتْحُ فِي النِّسْبَةِ خَطَأٌ. اهـ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْفَضْلِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ فَتْحَ الْأَسْوَاقِ فِي سَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِلِاسْتِفْضَالِ، وَالِاسْتِرْبَاحِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ فَضْلٌ مَخْصُوصٌ فَلِذَلِكَ عَرَّفَهُ شَرْعًا بِقَوْلِهِ (فَضْلُ مَالٍ بِلَا عِوَضٍ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ) أَيْ فَضْلُ أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِالْعِيَارِ الشَّرْعِيِّ أَيْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، فَفَضْلُ قَفِيزَيْ شَعِيرٍ عَلَى قَفِيزَيْ بُرٍّ لَا يَكُونُ رِبًا، وَكَذَا فَضْلُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ عَلَى خَمْسَةٍ مِنْهُ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ أَيْ خَالٍ عَنْهُ لِيَخْرُجَ بَيْعُ كُرِّ بُرٍّ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ فَإِنَّ لِلثَّانِي فَضْلًا عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ غَيْرُ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ لِصَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ.

وَقَيَّدَ بِالْمُعَاوَضَةِ لِأَنَّ الْفَضْلَ الْخَالِيَ عَنْ الْعِوَضِ الَّذِي فِي الْهِبَةِ لَيْسَ بِرِبًا، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ الْخَالِي مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَقَدْ قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْوِقَايَةِ، وَقَالَ شَارِحُهَا إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ لِغَيْرِهِمَا لَا يَكُونُ رِبًا، وَفِي الْبِنَايَةِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا هُوَ بَيْعٌ فِيهِ فَضْلٌ مُسْتَحِقٌّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ خَالٍ عَمَّا يُقَابِلُهُ مِنْ عِوَضٍ شُرِطَ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَعَلَى هَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ قَبِيلِ الرِّبَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي عَشَرَ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ

ــ

[منحة الخالق]

وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، وَيَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِقَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً هَذَا بَيْعٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَهِيَ الْقَرْضُ اهـ. مُلَخَّصًا، وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ قَبِيلَ قَوْلِهِ، وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ، وَالْجِنْسُ زِيَادَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا.

[بَابُ الرِّبَا]

(قَوْلُهُ فَفَضْلُ قَفِيزَيْ شَعِيرٍ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَحَدُ الْمُتَجَانِسَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَكَذَا فَضْلُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْعِيَارِ الشَّرْعِيِّ فَإِنَّ الذَّرْعَ لَيْسَ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ إلَخْ) عِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ خَالٍ عَنْ عِوَضِ شُرِطَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ قَالَ فِي شَرْحِهِ فَلَوْ وُجِدَ الْفَضْلُ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ أَوْ كَانَ مَشْرُوطًا فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ رِبًا، وَإِنَّمَا قَالَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ الْعَاقِدَ قَدْ يَكُونُ وَكِيلًا، وَقَدْ يَكُونُ فُضُولِيًّا، وَالْمُعْتَبَرُ كَوْنُ الْفَضْلِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي اهـ. تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ قَبِيلِ الرِّبَا) هَذَا التَّعْمِيمُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مَا سَكَتَ فِيهِ عَنْ الثَّمَنِ، وَبَيْعُ عَرْضٍ بِخَمْرٍ أَوْ بِأُمِّ وَلَدٍ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ، وَيَمْلِكُ بِالْقَبْضِ، وَكَذَا بَيْعُ جِذْعٍ فِي سَقْفٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَبَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ، وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَبُ الْفَسَادِ فِيهِ الْجَهَالَةُ أَوْ الضَّرَرُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِسَبَبِ شَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ قُبَيْلَ بَابِ الصَّرْفِ فِي بَحْثِ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ حَيْثُ قَالَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ كَانَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ بَابِ الرِّبَا، وَهُوَ يَخْتَصُّ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>