للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ) أَيْ وَصَحَّ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ اللَّحْمُ الْمُفْرَزُ أَكْثَرَ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الْحَيَوَانِ لِيَكُونَ اللَّحْمُ بِمُقَابَلَةِ مَا فِيهِ، وَالْبَاقِي مِنْ اللَّحْمِ بِمُقَابِلِهِ السَّقَطُ، وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ مَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّحْمِ كَالْجِلْدِ، وَالْكِرْشِ، وَالْأَمْعَاءِ، وَالطِّحَالِ، وَصَارَ كَالْحَلِّ، وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ دُهْنُ السِّمْسِمِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِمَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ فَصَارَ كَبَيْعِ السَّيْفِ بِالْحَدِيدِ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُوزَنُ عَادَةً، وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ ثِقَلِهِ بِالْوَزْنِ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي الْحَلِّ يُعَرِّفُ قَدْرَ الدُّهْنِ إذَا مِيزَ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ نَسِيئَةً لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ مِنْهُمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ لَا لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا بِيعَ بِغَيْرِهِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا. اهـ.

وَلَوْ بَاعَ شَاةً مَذْبُوحَةً بِشَاةٍ حَيَّةٍ يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَعَلَى هَذَا شَاتَانِ مَذْبُوحَتَانِ غَيْرُ مَسْلُوخَتَيْنِ بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ يَجُوزُ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ كَانَتْ الشَّاةُ مَذْبُوحَةً غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ فَاشْتَرَاهَا بِلَحْمِ الشَّاةِ فَالْجَوَابُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ، وَأَرَادَ بِغَيْرِ الْمَسْلُوخَةِ غَيْرَ الْمَفْصُولَةِ عَنْ السَّقَطِ، وَفِي الْحَاوِي لَوْ بَاعَ شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِجِنْسِ لَبَنِهَا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِي اللَّحْمِ.

قَوْلُهُ (وَالْكِرْبَاسُ بِالْقُطْنِ، وَكَذَا بِالْغَزْلِ كَيْفَمَا كَانَ) أَيْ صَحَّ لِاخْتِلَافِهِمَا جِنْسًا لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يُنْقَضُ لِيَعُودَ غَزْلًا أَوْ قُطْنًا، وَالْكِرْبَاسُ الثِّيَابُ مِنْ اللَّحْمِ، وَالْجَمْعُ كَرَابِيسُ، وَإِلَيْهَا يُنْسَبُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ بِاعْتِبَارِ بَيْعِهَا.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْقُطْنَ الْمَحْلُوجَ بِغَزْلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا مُتَسَاوِيًا، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ، وَفِي الْحَاوِي وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ بَاعَ الْمَحْلُوجَ بِغَيْرِ الْمَحْلُوجِ جَازَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْخَالِصَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْقُطْنَ غَيْرَ الْمَحْلُوجِ بِحَبِّ الْقُطْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَبُّ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الْحَبِّ الَّذِي فِي الْقُطْنِ حَتَّى يَكُونَ قَدْرُهُ مُقَابِلًا بِهِ، وَالزَّائِدُ بِالْقُطْنِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ أَوْ فِي ضَرْعُهَا لَبَنٌ بِصُوفٍ أَوْ لَبَنٍ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصُّوفُ أَوْ اللَّبَنُ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَى الشَّاةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَهُوَ نَظِيرُ بَيْعِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ.

قَوْلُهُ (وَالرُّطَبُ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ مُتَمَاثِلًا، وَالْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ) أَيْ مُتَمَاثِلًا أَيْضًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الْبَاقُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ، وَدَلِيلُ الْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حِين سُئِلَ عَنْهُ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ فَقِيلَ نَعَمْ فَقَالَ لَا إذَنْ» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَالْأَرْبَعَةُ فِي السُّنَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَهُ أَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ رُطَبٌ أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا سَمَّاهُ تَمْرًا، وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْهَدِيَّةَ كَانَتْ تَمْرًا، وَتَبِعَهُ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا تَمْرٌ، وَلِأَنَّ الرُّطَبَ لَوْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْبَيْعُ بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَمْرٍ فَبِآخِرِهِ، وَهُوَ «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» هَكَذَا اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ حِينَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ بَغْدَادَ، وَكَانُوا أَشِدَّاءَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ، وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِهِمْ بِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّهُ ثِقَةٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ مَجْهُولٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ ابْنَ عَيَّاشٍ هَذَا مَوْلًى لِبَنِي زُهْرَةَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ مَعَ شِدَّةِ تَحَرِّيهِ فِي الرِّجَالِ، وَنَقَدَهُ، وَتَتَبُّعِهِ لِأَحْوَالِهِمْ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ النَّقْلِ عَلَى أَمَانَةِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَنَّهُ مُحْكِمٌ لِمَا يَرْوِيهِ اهـ.

قَالَ الْحَاكِمُ قَالَ الْأَكْمَلُ سَلَّمْنَا قُوَّتَهُ فِي الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ لَا يُعَارَضُ

ــ

[منحة الخالق]

[بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ]

(قَوْلُهُ وَفِي الْحَاوِي لَوْ بَاعَ شَاةً إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ أَوْ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِصُوفٍ أَوْ لَبَنٍ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصُّوفُ وَاللَّبَنُ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَى الشَّاةِ، وَفِي السِّرَاجِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ فَمَا فِي الْحَاوِي ضَعِيفٌ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْمَحْلُوجَ بِغَيْرِ الْمَحْلُوجِ جَازَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بَيْعُ قُطْنِ الْمَحْلُوجِ بِالْقُطْنِ الَّذِي فِيهِ حَبٌّ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْحَبِّ، وَكَذَا بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ الْمَشْقُوقِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ» الْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. اهـ. وَهُوَ كَمَا تَرَاهُ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا فَتَأَمَّلْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا هُنَا أَظْهَرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>