للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالِاحْتِمَالِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْمُحِيطِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحِيلُ قَالَ لِلْحَوِيلِ اضْمَنْ عَنِّي هَذَا الْمَالَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اضْمَنْ عَنِّي لَا يَحْتَمِلُ الْوَكَالَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا عَنْهُ إذَا كَانَ عَلَى الْمُحِيلِ دَيْنٌ فَكَانَ إقْرَارًا هُنَا بِالْمَالِ عَلَيْهِ اهـ.

وَفِي النَّوَادِرِ لَوْ غَابَ الْمُحْتَالُ وَأَرَادَ الْمُحِيلُ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَقَالَ أَحَلْتُهُ بِوَكَالَةٍ لَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ هَذِهِ رِوَايَةُ بِشْرٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.

وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ قَبْلَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ إسْقَاطَهُ بِالْحَوَالَةِ، وَأَقَرَّ بِحَقِّ قَبْضِهِ لِلْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا تَدْفَعْهُ جَازَ نَهْيُهُ وَإِنَّ الْآخَرُ غَائِبًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

قَوْلُهُ (وَلَوْ أَحَالَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً صَحَّتْ فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ) بَيَانٌ لِلْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَالْمُقَيَّدَةُ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَيْنٍ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِ وَالْمُطْلَقَةُ أَنْ يُرْسِلَهَا إرْسَالًا وَلَا يُقَيِّدُهَا بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ عَيْنٌ لَهُ أَوْ لَا بِأَنْ قَبِلَهَا مُتَبَرِّعًا، وَالْكُلُّ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُقَيَّدَةِ وَكِيلٌ فِي الدَّفْعِ وَفِي الْمُطْلَقَةِ مُتَبَرِّعٌ، وَحُكْمُ الْمُطْلَقَةِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ حَقُّ الْمُحِيلِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَلِلْمُحَالِ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ بَعْدَ أَدَائِهِ إنْ كَانَتْ بِرِضَاهُ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فِي حَقِّ الْمُحِيلِ تَأَجَّلَ فِي حَقُّ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الْمُحِيلِ وَيَحِلُّ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ الْمُقَيَّدَةِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمَا أَحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِأَخْذِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدَةِ، وَقَدَّمْنَا حُكْمَ إبْرَاءِ الْمُحْتَالِ وَهِبَتِهِ وَإِرْثِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ كَانَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ الْمُحَالُ بِهِمَا بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ لِكَوْنِهِ مَالَ الْمُحِيلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ لَمْ يَمْلِكْهُ بِهَا لِلُزُومِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِهَا دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ دَيْنِ الْمُحِيلِ.

وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِيمَا سَلَفَ وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا قَبَضَهُ الْمُحْتَالُ بِهِ بَعْدَ مَرَضِ الْمُحِيلِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ فَاخْتَصَّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ مَدْيُونًا بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ لِبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ، وَصَارَ الْمُحْتَالُ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِذَا قُسِمَ الدَّيْنُ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ لَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِحِصَّةِ الْغُرَمَاءِ لِاسْتِحْقَاقِ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ بِقِسْمَتِهِ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ أَيْضًا بِمَعْنَى أَنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ بِهِ دُونَ الْمُحْتَالِ فَيُضَمُّ إلَى تَرِكَتِهِ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ، وَالْمُرَادُ بِالْبَرَاءَةِ فِي قَوْلِهِ بَرِئَ بُطْلَانُ الْحَوَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ كَمَا قَدَّمْنَا وَكِيلٌ فِي دَفْعِهَا فَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ أَوْ الْمُرَادُ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَهَلَاكُهَا بِقَوْلِ الْمُودِعِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ الْمُودِعُ ضَاعَتْ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ اهـ.

وَلَوْ لَمْ يُعْطِ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةَ، وَإِنَّمَا قَضَى مِنْ مَالِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا، وَقَدْ مَرَّتْ فِي الْوَكَالَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَ غُرَمَاءَ الْمُحِيلِ فِي تَرِكَتِهِ وَوَدِيعَتِهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَاسْتِحْقَاقُ الْوَدِيعَةِ مُبْطِلٌ لَهَا كَهَلَاكِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالْعَيْنِ الْوَدِيعَةِ فَوَهَبَهَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحِيلُ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ، فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَوِيلِ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي عِبَارَةِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَقَوْلُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْوَكَالَةَ أَيْ لَا يَتَحَمَّلُ وَكَالَةَ الْمُحِيلِ بِقَوْلِهِ أَحَلْتُكَ عَلَى فُلَانٍ مَعَ قَوْلِهِ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ اضْمَنْ عَنِّي هَذَا الْمَالَ هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا فَتَأَمَّلْهُ.

[أَحَالَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً]

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْمُحِيلَ الْمُطَالَبَةُ فِيهَا إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ فَإِذَا أَدَّى سَقَطَ مَا عَلَيْهِ قِصَاصًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا فِي الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَأَنَّ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ الْمُحَالَ بِهِمَا، وَهُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِكَوْنِهِ مَالَ الْمُحِيلِ، وَلَا يَكُونُ مَالُ الْمُحِيلِ إلَّا فِي الْمُقَيَّدَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُطْلَقَةِ مُتَبَرِّعٌ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ، وَنَصُّهُ مَاتَ الْمُحِيلُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمُحْتَالِ الْمَالَ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُحِيلِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ فَالْمُحْتَالُ مَعَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ بِالْحَوَالَةِ، وَكَذَا لَوْ قَيَّدَ بِدَيْنِهِ الَّذِي عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ يَتَسَاوَى الْمُحْتَالُ مَعَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ اهـ.

وَمُقْتَضَاهُ بُطْلَانُ الْحَوَالَةِ بِمَوْتِ الْمُحِيلِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَعِبَارَتُهُ كَمَا نَقَلَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَاتَ الْمُحِيلُ تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ حَتَّى لَا يَخْتَصَّ الْمُحْتَالُ بِمَالِهِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بَلْ أُسْوَةً لِغُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا أَنَّهَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ وَبِالْمَوْتِ سَقَطَتْ، وَتَعُودُ الْمُطَالَبَةُ إلَى تَرِكَتِهِ وَعَنْ زُفَرَ خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ إلَخْ فَيُفِيدُ أَنَّ ذَاكَ خَاصٌّ بِالْمُقَيَّدَةِ، وَقَوْله وَإِذَا قَسَمَ الدَّيْنَ إلَخْ أَيْ فِي الْمُقَيَّدَةِ كَمَا أَفَادَهُ مَا قَرَّرْنَاهُ وَفِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>