للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سِرًّا وَعَلَانِيَةً طَعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَأْثَمَ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ حَالِهِ حَتَّى لَا يُقْبَلَ الْفَاسِقُ، وَصَرَّحَ فِي إصْلَاحِ الْإِيضَاحِ بِأَنَّ مَنْ قَلَّدَ فَاسِقًا يَأْثَمُ، وَإِنْ قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ يَأْثَمُ، وَاسْتَثْنَى أَبُو يُوسُفَ مِنْ الْفَاسِقِ إذَا شَهِدَ أَنْ يَكُونَ ذَا جَاهٍ وَمُرُوءَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُو يُوسُفَ فَارِقًا بَيْنَهُمَا وَالْفِسْقُ لُغَةً الْخُرُوجُ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَشَرْعًا ارْتِكَابُ كَبِيرَةٍ أَوْ الْإِصْرَارُ عَلَى صَغِيرَةٍ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ، وَالْعَدَالَةُ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى صَغِيرَةٍ وَاجْتِنَابُ فِعْلِ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ إذَا ارْتَكَبَ مَا يُخِلُّهَا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ عَدْلًا وَإِنْ لَمْ يَصِرْ فَاسِقًا بِهِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ، وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ) أَيْ فَسَقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْفَاسِقِ وَعَدَمِ عَزْلِهِ لَوْ فَسَقَ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ وَلَوْ قُلِّدَ وَهُوَ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.

وَهُوَ غَرِيبٌ، وَلَمْ أَرَهُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا دُونَهَا، وَهَذَا مِمَّا كَانَ فِيهِ الِابْتِدَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الْبَقَاءِ وَلَهُ نَظِيرٌ مَذْكُورٌ فِي الْمِعْرَاجِ وَأَبَقَ الْمَأْذُونُ يَنْحَجِرُ وَلَوْ أَذِنَ لِلْآبِقِ صَحَّ وَقَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا فِي يَدِهِ عَكْسَ السَّائِرِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ أَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِوُجُودِ دَلِيلٍ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْمُقَلِّدَ أَعَقَدَ عَدَالَتَهُ فَيَتَقَيَّدُ التَّقْلِيدُ بِحَالِ عَدَالَتِهِ إلَى آخِرِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ شَرَطَ فِي التَّقْلِيدِ أَنَّهُ مَتَى فَسَقَ يَنْعَزِلُ انْعَزَلَ اهـ.

قُيِّدَ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَمْنَعُ الْإِمَامَةَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ اهـ.

وَقَوْلُهُ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ مَعْنَاهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ عَزْلُهُ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْمِعْرَاجِ يَحْسُنُ عَزْلُهُ اهـ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا اُخْتُلِفَ فِي تَوْلِيَتِهِ ابْتِدَاءً وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الرِّدَّةِ، وَالسُّلْطَانُ يَصِيرُ سُلْطَانًا بِأَمْرَيْنِ بِالْمُبَايَعَةِ مَعَهُ يُعْتَبَرُ فِي الْمُبَايَعَةِ مُبَايَعَةُ أَشْرَافِهِمْ وَأَعْيَانِهِمْ الثَّانِي أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ قَهْرِهِ وَجَبَرُوتِهِ، فَإِنْ بَايَعَ النَّاسُ وَلَمْ يَنْفُذْ فِيهِمْ حُكْمُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ قَهْرِهِمْ لَا يَصِيرُ سُلْطَانًا، فَإِذَا صَارَ سُلْطَانًا بِالْمُبَايَعَةِ فَجَارَ إنْ كَانَ لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْعَزَلَ يَصِيرُ سُلْطَانًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَلَا يُفِيدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ يَنْعَزِلُ اهـ.

وَمِنْ أَوَّلِ الدَّعَاوَى، وَالْوَالِي إذَا فَسَقَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ نَفَاذَ قَضَائِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عَزْلِهِ نَفَاذُ قَضَائِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى اهـ.

مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا فَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ، وَتَنْفُذُ قَضَايَاهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ هِيَ مَا إذَا فَسَقَ بِالرِّشْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ فِي الْحَادِثَةِ الَّتِي أَخَذَ بِسَبَبِهَا، وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ أَنَّ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْعَزْلَ قَالَ بِصِحَّةِ أَحْكَامِهِ، وَمَنْ قَالَ بِعَزْلِهِ قَالَ بِبُطْلَانِهَا

قَوْلُهُ (وَإِذَا أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا) أَيْ بِمَالٍ دَفَعَهُ لِتَوْلِيَتِهِ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ قَضَى لَمْ يَنْفُذْ وَبِهِ يُفْتَى إذْ الْإِمَامُ لَوْ قُلِّدَ بِرِشْوَةٍ أَخَذَهَا هُوَ أَوْ قَوْمُهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ كَقَضَائِهِ بِرِشْوَةٍ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، ثُمَّ رَقْمٌ لِآخَرَ أَنَّ مَنْ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ أَوْ بِشُفَعَاءَ فَهُوَ كَمُحَكَّمٍ لَوْ رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ يُمْضِيهِ لَوْ وَافَقَ رَأْيَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ. اهـ.

وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ نَفَاذِهِ إذَا تَوَلَّى

ــ

[منحة الخالق]

أَقُولُ: لَمْ أَرَهُ فِيمَا مَرَّ نَعَمْ سَيَأْتِي بَعْدَ تِسْعَةِ أَوْرَاقٍ

[تَقْلِيد الْفَاسِقُ الْقَضَاءِ]

(قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ.

[كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ]

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَا فِي الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا فِي يَدِهِ) فِيهِ إيجَازٌ غَيْرُ مُفْهِمٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنَّمَا يَصِحُّ إذْنُ الْآبِقِ فِي التِّجَارَةِ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَعَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ نَفَاذَ قَضَائِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي قَوْلِهِ لَا يَنْعَزِلُ إيمَاءً إلَى أَنَّ قَضَاءَهُ نَافِذٌ فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ، وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ، وَالثَّانِي لَا يَنْفُذُ فِيهِ وَيَنْفُذُ فِيمَا سِوَاهُ وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَالثَّالِثُ لَا يَنْفُذُ فِيهِمَا، وَالْأَوَّلُ اخْتَارَهُ الْبَزْدَوِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِ الرِّشْوَةِ فِيمَا إذَا قَضَى بِحَقِّ إيجَابِ فِسْقِهِ، وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعَزْلَ فَوِلَايَتُهُ قَائِمَةٌ وَقَضَاؤُهُ بِحَقٍّ فَلَمْ لَا يَنْفُذْ وَخُصُوصُ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَغَايَةُ مَا وُجِّهَ أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى عَامِلٌ لِنَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ مَعْنًى وَالْقَضَاءُ عَمَلٌ لِلَّهِ تَعَالَى اهـ.

وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَوْنَ خُصُوصِ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ مَمْنُوعٌ بَلْ يُؤَثِّرُ بِمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَمَلًا لِنَفْسِهِ وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي فِي الْقَوْلَةِ الثَّانِيَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>