للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَايَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ تَدَيُّنًا لِحِفْظِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لَا تَمَوُّلًا، وَيَبْعَثُ الْمَوْلَى اثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدًا مَأْمُونًا لِيَقْبِضَاهَا مِنْ الْمَعْزُولِ أَوْ أَمِينِهِ وَيَسْأَلَانِ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيَجْعَلَانِ كُلَّ نَوْعٍ فِي خَرِيطَةٍ لِيَكُونَ أَسْهَلَ لِلتَّنَاوُلِ، وَهَذَا السُّؤَالُ لِكَشْفِ الْحَالِ لَا لِلُزُومِ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْجَوَابِ مِنْ الْقَاضِي فَإِنَّهُ الْتَحَقَ بِسَائِرِ الرَّعَايَا بِالْعَزْلِ، ثُمَّ إذَا قَبَضَاهُ خَتَمَا عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ التَّغْيِيرِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ يَكْتُبَانِ عَدَدَ ضِيَاعِ الْوُقُوفِ وَمَوَاضِعَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ كُتُبَ الْأَوْقَافِ تُغْنِي عَنْهُ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَوْلَى بِمُجَرَّدِ تَوْلِيَتِهِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ النَّظَرِ فِيمَا فُوِّضَ لَهُ فَإِنْ تَأَخَّرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ عَزَلَهُ الْإِمَامُ، وَلِذَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَقْضَى رَجُلًا عَلَى الشَّامِ يُقَالُ لَهُ حَابِسُ بْنُ سَعْدٍ الطَّائِيُّ عَلَى قَضَاءِ حِمْصَ قَالَ لَهُ يَا حَابِسُ كَيْفَ تَقْضِي قَالَ أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي وَأَسْتَشِيرُ جُلَسَائِي فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ ثُمَّ لَقِيَ عُمَرُ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسِيرَ إلَى عَمَلِكَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي أَيْ خَوَّفَتْنِي قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ رَأَيْتُ كَأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَقْتَتِلَانِ رَأَيْتُ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَقْبَلَتْ مِنْ الْمَشْرِقِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَرَأَيْتُ كَأَنَّ الْقَمَرَ أَقْبَلَ مِنْ الْمَغْرِبِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ حَتَّى اقْتَتَلَا قَالَ فَمَعَ أَيِّهِمَا كُنْتَ قَالَ مَعَ الْقَمَرِ فَقَرَأَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: ١٢] كُنْتَ مَعَ الْقَمَرِ فِي مَغْرِبِ الشَّمْسِ اُرْدُدْ إلَيْنَا عَهْدَنَا فَقُتِلَ بَعْدُ بِصِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ عَزْلَ الْقَاضِي إذَا تَأَخَّرَ وَعَلَى التَّفَاؤُلِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ.

قَوْلُهُ (وَنَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) أَيْ الْجَدِيدُ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْمُرَادُ الْمَحْبُوسُ فِي سِجْنِ الْقَاضِي فَيَبْعَثُ الْقَاضِي ثِقَةً يُحْصِيهِمْ فِي السِّجْنِ، وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ وَسَبَبَ حَبْسِهِمْ وَمَنْ حَبَسَهُمْ، وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي كِتَابَةُ اسْمِ الْمَحْبُوسِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَمَا حُبِسَ بِسَبَبِهِ وَتَارِيخِهِ فَإِذَا عُزِلَ بَعَثَ النُّسْخَةَ الَّتِي فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ إلَى الْمُتَوَلِّي لِيَنْظُرَ فِيهَا، وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ فِي سِجْنِ الْوَالِي فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ أَنَّ مَنْ حُبِسَ مِنْ أَهْلِ الدَّعَارَةِ وَالتَّلَصُّصِ وَالْجِنَايَاتِ وَلَا مَالَ لَهُمْ أَنَّ نَفَقَتَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكِسْوَتَهُمْ، وَكَذَا أُسَرَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْ لَا يَبِيتَ أَحَدٌ فِي قَيْدٍ إلَّا رَجُلٌ مَطْلُوبٌ بِدَمٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ رَجُلًا صَالِحًا يُثْبِتُ أَسْمَاءَهُمْ عِنْدَهُ وَيَدْفَعُ نَفَقَتَهُمْ وَأَدَمَهُمْ شَهْرًا بِشَهْرٍ، وَيَدْعُو كُلَّ رَجُلٍ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ بِيَدِهِ وَيُعْفِيهِمْ عَنْ الْخُرُوجِ فِي السَّلَاسِلِ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ عَظِيمٌ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَا وَلِيَّ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ فَإِنَّ تَجْهِيزَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَنَظَرَ فِي أَحْوَالِهِمْ كُلَّ أَيَّامٍ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ أَدَبٌ أُدِّبَ وَأُطْلِقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَضِيَّةٌ خَلَّى سَبِيلَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (فَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَلْزَمَهُ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ

ــ

[منحة الخالق]

[تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ]

(قَوْلُهُ وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ عِنْدَهُ سَبَبَ وُجُوبِ حَبْسِهِمْ وَثُبُوتُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَعْتَمِدُهَا الثَّانِي فِي حَبْسِهِمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَبْقَ حُجَّةً كَذَا فِي الْفَتْحِ وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي كِتَابَةُ اسْمِ الْمَحْبُوسِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ النَّظَرَ فِي حَالِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي بَعَثَهَا الْقَاضِي إلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِوُجُوبِ كِتَابَةِ مَا ذَكَرَ إذْ لَا أَثَرَ لَهُ يَظْهَرُ. اهـ.

قُلْت: وَرَأَيْت فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْإِمَامِ حُسَامِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَعْلِيلَ الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِفْلَاسِ بَعْدَ الْحَبْسِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي.

قَالَ ثُمَّ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ يَأْخُذُ هَذِهِ النُّسْخَةَ مِنْ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ أَيْضًا إلَخْ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ فَعُلِمَ أَنَّ وُجُوبَ كِتَابَةِ مَا ذُكِرَ لَا لِيَنْظُرَ الثَّانِي فِيهِ بَلْ لِحَاجَةِ الْأَوَّلِ إلَيْهِ وَهِيَ مَا ذُكِرَ فَلَهُ أَثَرٌ ظَاهِرٌ وَمَعْنًى بَاهِرٌ بَلْ لَهُ فَوَائِدُ أُخَرُ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَيْضًا فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فِي الْحَبْسِ حَيْثُ قَالَ إمَّا يَكْتُبُ اسْمَ الْمَحْبُوسِ وَنَسَبَهُ فَلِأَنَّ الطَّالِبَ رُبَّمَا طَالَبَ الْقَاضِي بِتَسْلِيمِ الْمَحْبُوسِ إلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَرِّفَ الْقَاضِي اسْمَهُ وَنَسَبَهُ حَتَّى يُطَالِبَ السَّجَّانَ بِتَسْلِيمِ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ مَنْ حُبِسَ لِأَجَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتُبْ رُبَّمَا جَاءَ إنْسَانٌ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ حَبَسَهُ فِي دَيْنِهِ وَيُخْرِجُهُ فَيَهْرَبُ مِنْ الْقَاضِي وَالْخَصْمِ الَّذِي حُبِسَ لِأَجْلِهِ غَيْرُهُ، وَإِمَّا يَكْتُبُ مِقْدَارَ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا جَاءَ الْمَحْبُوسُ بِمَالٍ قَلِيلٍ، وَيَقُولُ لِلْقَاضِي حَبَسْتنِي لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْقَاضِي وَيَهْرَبُ، وَإِمَّا يَكْتُبُ التَّارِيخَ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ إلَى أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إفْلَاسِهِ، وَإِنَّمَا يَسْمَعُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْرِفَ هَلْ انْقَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ بِالتَّارِيخِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>