للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مِثَالُ الثَّانِي فَإِنْ يَعْتَقِدْ الثَّلَاثَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ فَإِنْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ لَمْ تَحِلَّ وَمِثَالُ الثَّالِثِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِكَوْنِهَا رَجْعِيَّةً فَإِنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يَهْدِمُ رَأْيَهُ مِنْ أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَمِثَالُ الرَّابِعِ إذَا قَضَى قَاضٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ مَا مَضَى؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يَهْدِمُ الْقَضَاءَ وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِرَأْيِهِ فِي الْمُسْتَقْبِلِ اهـ. مُخْتَصَرًا.

(قَوْلُهُ وَلَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ) أَيْ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ عَلَى خَصْمٍ غَيْرِ حَاضِرٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ «لَا تَقْضِ لِأَحَدٍ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ فَإِنَّك إذَا سَمِعْت كَلَامَ الْآخَرِ عَلِمْت كَيْفَ تَقْضِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَلَا مُنَازَعَةَ هُنَا لِعَدَمِ الْإِنْكَارِ فَلَا يَصِحُّ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ حَضْرَةَ الْخَصْمِ لِيَتَحَقَّقَ إنْكَارُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْقَضَاءِ قَضَى لِلْغَائِبِ أَوْ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ اهـ.

فَلِذَا فَسَّرْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ لَا بِعَدَمِ الْحِلِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِعَدَمِ النَّفَاذِ لِقَوْلِهِمْ إذَا نَفَذَهُ قَاضٍ آخَرُ يَرَاهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَقَدَّمْنَا خِلَافَ التَّصْحِيحِ فِي نَفَذَ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فَصَحَّحَ الشَّارِحُ عَدَمَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْقَضَاءِ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ رِوَايَتَانِ وَنَحْنُ نُفْتِي بِعَدَمِ النَّفَاذِ كَيْ لَا يَتَطَرَّقُوا إلَى إبْطَالِ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا اهـ.

وَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ خواهر زاده وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بِلَا خَصْمٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَيُفْتَى بِعَدَمِ النَّفَاذِ وَقِيلَ إنْ رَآهُ قَاضٍ فَقَضَى بِهِ يَنْفُذُ. اهـ.

لَكِنْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْقَاضِي شَافِعِيًّا يَرَاهُ أَوْ حَنَفِيًّا لَا يَرَاهُ وَهُوَ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ يَرَاهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ يَرَاهُ لِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَلَوْ كَانَ أَعَمَّ لَلَزِمَ هَدْمُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَالْعَجَبُ مِنْ الْبَزَّازِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى مِنْ الْمَفْقُودِ وَهَلْ يَنْصِبُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَلَى الْغَائِبِ وَعَنْ الْغَائِبِ عِنْدَنَا لَا يَفْعَلُ أَمَّا لَوْ فَعَلَ بِأَنْ حَكَمَ عَلَى الْغَائِبِ نَفَذَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ سَبَبُ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ لِلْقَضَاءِ أَمْ لَا فَإِذَا رَآهَا حُجَّةً وَحَكَمَ نَفَذَ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.

فَإِنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِهَا عَنْ خواهر زاده وَفِي قَوْلِهِ فَإِذَا رَآهَا حُجَّةً إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مِمَّنْ يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ فَخَرَجَ الْحَنَفِيُّ الْمُقَلِّدُ وَلَقَدْ صَدَقَ الْعَلَّامَةُ مَحْمُودٌ حَيْثُ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَدْ اضْطَرَبَ آرَاؤُهُمْ وَبَيَانُهُمْ فِي مَسَائِلِ الْحُكْمِ لِلْغَائِبِ وَعَلَيْهِ وَلَمْ يَصْفُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ أَصْلٌ قَوِيٌّ ظَاهِرٌ يُبْنَى عَلَيْهِ الْفُرُوعُ بِلَا اضْطِرَابٍ وَلَا إشْكَالٍ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنْ يُتَأَمَّلَ فِي الْوَقَائِعِ وَيُحْتَاطَ وَيُلَاحَظَ الْحَرَجُ وَالضَّرُورَاتُ فَيُفْتَى بِحَسْبِهَا جَوَازًا أَوْ فَسَادًا. اهـ.

وَاَلَّذِي

ــ

[منحة الخالق]

[الْقَضَاءُ عَلَى خَصْمٍ غَيْرِ حَاضِرٍ]

(قَوْلُهُ فَلِذَا فَسَّرْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ لَا فِي حِلِّ النَّفَاذِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَتَطَرَّقُوا إلَى إبْطَالِ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَإِنْ قُلْتُ: مَا وَجْهُ التَّطَرُّقِ إلَى إبْطَالِ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ قُلْتُ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ وَجْهَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَخْلُو إمَّا عَلَى حَاضِرٍ أَوْ عَلَى غَائِبٍ فَإِذَا فُتِحَ بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَقَدْ تَرَكَ مِنْهُ النِّصْفَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ يَرَاهُ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَاهُ الْحَنَفِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْكَلَامِ الْمَارِّ فِيمَا لَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ مِنْ كَوْنِهِ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا وَمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ وَاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ وَإِنَّ هَذَا فِي غَيْرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قُنْيَةٌ مج لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَأَجَابَ هُوَ مِرَارًا فِيمَنْ غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ وَتَرَكَهَا بِلَا نَفَقَةٍ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ يَنْفُذُ قَالَ وَإِنَّمَا فَرَّقْت بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ إذْ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَضَاءِ فَعِنْدَهُ يَحِلُّ وَعِنْدَنَا لَا يَحِلُّ وَلَا خِلَافَ فِي النَّفَاذِ فَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ جَوَابٌ عَنْ الْإِقْدَامِ وَالثَّانِي عَنْ النَّفَاذِ مَعَ حُرْمَةِ الْإِقْدَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ شَفْعَوِيُّ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ. اهـ.

فَهُوَ كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ أَعَمُّ وَقَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَ أَوْرَاقٍ ثَلَاثٍ وَفَرْقُهُمْ بَيْنَ سَبَبٍ وَبَيْنَ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ بِنَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي قَضَاءِ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا الْحَنَفِيُّ فَلَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ يَرُدُّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ) أَيْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ النَّفَاذِ لَكِنْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ وَعَلَيْهِ مَشَى الْبَزَّازِيُّ فِيمَا مَرَّ فَكَلَامُهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنْ يُتَأَمَّلَ إلَخْ) تَمَامُ عِبَارَتِهِ مَثَلًا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ الْعَدْلِ فَغَابَ عَنْ الْبَلَدِ وَلَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ أَوْ يُعْرَفُ وَلَكِنْ يَعْجِزُ عَنْ إحْضَارِهِ أَوْ عَنْ أَنْ تُسَافِرَ إلَيْهِ هِيَ أَوْ وَكِيلُهَا لِبُعْدِهِ أَوْ لِمَانِعٍ آخَرَ بِأَنْ كَانَ لَا يَرْضَى أَحَدٌ بِالْوَكَالَةِ وَكَذَا الْمَدْيُونُ لَوْ غَابَ عَنْ الْبَلَدِ وَلَهُ نَقْدٌ فِي الْبَلَدِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْغَائِبِ بِحَيْثُ اطْمَأَنَّ قَلْبُ الْقَاضِي وَغَلَبَ ظَنُّهُ أَنَّهُ حَقٌّ لَا تَزْوِيرٌ وَلَا حِيلَةَ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْغَائِبِ وَلِلْغَائِبِ وَكَذَا لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِجَوَازِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>