للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ شَهِدَا وَفَسَّرَا لِلْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُمَا لِعَدَمِ إشْهَادِ الْأُصُولِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَهُوَ شَرْطٌ اهـ.

وَفِي الْبِنَايَةِ لَوْ حَكَّمَا رَجُلًا فَأَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْ الْحُكُومَةِ فَحَكَمَ بَعْدَهُ جَازَ وَلَيْسَ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يُفَوِّضَ التَّحْكِيمَ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ فَوَّضَ وَحَكَمَ الثَّانِي بِغَيْرِ رِضَاهُمَا فَأَجَازَ الْأَوَّلُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالْوَكِيلِ الْأَوَّلِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَلَوْ حَكَّمَا وَاحِدًا فَحَكَمَ لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ حَكَّمَا آخَرَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْقَاضِي يُفِيدُ أَنَّ دَعْوَى الْقَتْلِ خَطَأً عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِثْبَاتَهُ بِغَيْبَةِ الْعَاقِلَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخِزَانَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَسَائِلُ شَتَّى)

أَيْ مُتَفَرِّقَاتٌ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ جَرْيًا عَلَى عَادَةِ الْمُؤَلِّفِينَ جَمْعُ شَتِيتٍ كَمَرْضَى جَمْعُ مَرِيضٍ مِنْ أَمْرٍ شَتٍّ أَيْ مُتَفَرِّقٍ وَشَتَّ الْأَمْرُ شَتًّا وَشَتَاتًا تَفَرَّقَ وَاشْتَتَّ مِثْلُهُ وَالشَّتِيتُ الْمُتَفَرِّقُ وَقَوْمٌ شَتَّى وَأَشْيَاءُ شَتَّى وَجَاءُوا أَشْتَاتًا أَيْ مُتَفَرِّقِينَ وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ أَنْ تَقُولَ شَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا وَمَا وَرَدَ مِنْهُ فَمُوَلَّدٌ وَتَمَامُهُ فِي الصِّحَاحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: ٤] أَيْ إنَّ عَمَلَكُمْ لِمُخْتَلِفٍ أَيْ فِي الْجَزَاءِ وَفِي الرَّازِيّ الْكَبِيرِ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي سُفْيَانَ.

وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فِي «صَاحِبِ نَخْلَةٍ كَانَ غُصْنٌ مِنْهَا مُتَدَلِّيًا فِي بَيْتِ فَقِيرٍ فَكَانَ إذَا جَاءَ لِيَنْثُرَ ثَمَرَةً وَسَقَطَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي بَيْتِ جَارِهِ يَأْخُذُهُ الصِّبْيَانُ فَكَانَ يَنْزِلُ إلَيْهِمْ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ حَتَّى كَانَ يَأْخُذُ التَّمْرَةَ مِنْ فَمِ الصَّبِيِّ فَشُكِيَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا صَاحِبَ النَّخْلَةِ وَقَالَ لَهُ اعْطِنِي نَخْلَتَك الْمَائِلَةَ وَلَك نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي ثَمَرَةٌ أَطْيَبَ مِنْهَا فَذَهَبَ وَكَانَ عِنْدَهُمَا رَجُلٌ يَسْمَعُ كَلَامَهُمَا فَذَهَبَ إلَيْهِ وَاشْتَرَى مِنْهُ النَّخْلَةَ بِأَرْبَعِينَ نَخْلَةً عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ وَأَشْهَدَ لَهُ ثُمَّ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْطَاهُ النَّخْلَةَ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ الْفَقِيرِ وَأَعْطَاهُ النَّخْلَةَ» .

(قَوْلُهُ لَا يَتَّدِ ذُو سُفْلٍ وَلَا يَثْقُبْ فِيهِ كُوَّةً بِلَا رِضَا ذِي الْعُلْوِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَفْعَلُ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ وَقِيلَ مَا حَكَى عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فَلَا خِلَافَ وَقِيلَ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ فَعِنْدَهُمَا الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ الْحَظْرُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لِلْغَيْرِ فَصَارَ كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي مَنْعِ الْمَالِكِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْإِطْلَاقُ يُعَارِضُهُ الرِّضَا فَإِذَا أَشْكَلَ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلْوِ مِنْ تَوْهِينِ الْبِنَاءِ أَوْ نَقْصِهِ فَيُمْنَعُ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَهْدِمَ كُلَّ الْجِدَارِ أَوْ السَّقْفِ وَكَذَا بَعْضُهُ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَفِي الْمُغْرِبِ وَتَدَ الْوَتَدَ ضَرَبَهُ بِالْمِيتَدَةِ وَأَثْبَتَهُ وَفِي الْبِنَايَةِ أَنَّهُ كَالْخَازُوقِ وَهُوَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْخَشَبِ أَوْ الْحَدِيدِ يُدَقُّ فِي الْحَائِطِ لِيُعَلَّقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ يُرْبَطَ بِهِ شَيْءٌ. اهـ.

وَالْكَوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ ثُقْبُ الْبَيْتِ وَالْجَمْعُ كُوًى وَقَدْ تُضَمُّ الْكَافُ فِي الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ وَيُسْتَعَارُ لِمَفَاتِيحِ الْمَاءِ إلَى الْمَزَارِعِ وَالْجَدَاوِلِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّ الْجَمْعَ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَنْعِهِ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ وَوَضْعِ الْجُذُوعِ وَهَدْمِ سُفْلِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنْ فَتَحَ الْبَابَ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ اتِّفَاقًا وَإِنْ وَضَعَ مِسْمَارًا صَغِيرًا أَوْ وَسَطًا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَنْعَ صَاحِبِ الْعُلْوِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْعُلْوِ لِاخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ عُلْوٌ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ مَا بَدَا لَهُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالسُّفْلِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَضَرَّ بِالسُّفْلِ أَوْ لَمْ يَضُرَّ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا أَشْكَلَ أَنَّهُ يَضُرُّ أَمْ لَا لَا يَمْلِكُ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ يَمْلِكُ اهـ.

وَجَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْجِدَارِ بِضَرْبِ الْوَتَدِ وَفَتْحِ الطَّاقِ احْتِرَازًا عَنْ تَصَرُّفِهِ فِي سَاحَةِ السُّفْلِ فَذَكَرَ قَاضِي خَانْ لَوْ حَفَرَ صَاحِبُ السُّفْلِ فِي سَاحَتِهِ بِئْرًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ. اهـ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِ هَدْمِ صَاحِبِ السُّفْلِ الْجِدَارَ الْحَامِلَ لِلْعُلْوِ كَمَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَاقِلَةِ) كَذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَكْتُوبًا قَبِيلَ مَسَائِلَ شَتَّى وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِهَا وَهُوَ أَحْسَنُ فَإِنَّهُ قَدْ مَرَّ قُبَيْلَ الْمَسَائِلِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا حُكْمَ الْقَاضِي

[مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ]

(مَسَائِلُ شَتَّى) (قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَنْعِهِ) أَيْ مَنْعِ صَاحِبِ السُّفْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>