للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَذَاهِبِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَاضٍ عَدْلٌ عَالِمٌ حَكَمْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ أَوْ بِالْقَطْعِ فَافْعَلْهُ وَسِعَك أَنْ تَفْعَلَهُ إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَمُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ.

فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ لَكِنْ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ صَحَّ رُجُوعُ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْهُ اهـ.

وَالْحَاصِلُ الْمَفْهُومُ مِنْ شَرْحِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ قَالَا بِقَبُولِ إخْبَارِهِ عَنْ إقْرَارِهِ بِشَيْءٍ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ مُطْلَقًا وَأَنَّ مُحَمَّدًا أَوَّلًا وَافَقَهُمَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِضَمِّ رَجُلٍ آخَرَ عَدْلٍ إلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا ثُمَّ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا، وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ عَنْ شَيْءٍ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَالْحَدِّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَعُدِّلُوا وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَيْءٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى قَضَائِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ مُطْلَقًا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَلَا بُدَّ مِنْ إشْهَادِهِ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى قَضَائِهِ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ لَمْ يَسَعْ الشَّاهِدَيْنِ الشَّهَادَةُ وَإِنْ بَيَّنَا لَمْ يُقْبَلَا كَمَا ذَكَرَهُ الْحَصِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ

(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِرَجُلٍ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْته إلَى زَيْدٍ قَضَيْت بِهِ عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْته ظُلْمًا فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي وَكَذَا لَوْ قَالَ قَضَيْت بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ مَالُهُ مُقِرًّا أَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ قَاضٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَوَافَقَا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي قَضَائِهِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ إذْ الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِالْجَوْرِ ظَاهِرًا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى عَدَمِ الضَّمَانِ عَلَى الْقَاطِعِ وَالْآخِذِ لَوْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ قَاضٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ يَدُهُ وَالْمَأْخُوذَ مَالُهُ لَوْ زَعَمَا أَنَّهُ فَعَلَ قَبْلَ التَّقْلِيدِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ فِعْلَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْت أَوْ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ مَعْهُودٌ وَلَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْآخِذُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنَانِ؛ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ صَدَّقَ الْقَاضِيَ فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ أَوْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَ لَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّمَلُّكِ إلَّا بِحُجَّةٍ وَقَوْلُ الْمَعْزُولِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا أَسْنَدَ إقْرَارَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ قَطَعْت يَدَك وَأَنَا عَبْدٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ قَطَعْتهَا وَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدٍ قَدْ أَعْتَقَهُ أَخَذْت مِنْك غَلَّةَ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَقَالَ الْمُعْتَقُ أَخَذْتهَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَوْلَى وَمِنْهَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ بِعْت وَسَلَّمْت قَبْلَ الْعَزْلِ وَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَعْدَ الْعَزْلِ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَهْلَكًا وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَالْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ وَبِالْإِضَافَةِ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيكَ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ الْوَصِيُّ بَعْدَمَا بَلَغَ الْيَتِيمُ أَنْفَقْت عَلَيْك كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ وَأَنْكَرَ الْيَتِيمُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ لِكَوْنِهِ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَا إذَا أَعْتَقَ أَمَته ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْت يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي فَقَالَتْ هِيَ قَطَعْتهَا وَأَنَا حُرَّةٌ فَالْقَوْلُ لَهَا وَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِهَا ثُمَّ ادَّعَى التَّمْلِيكَ لِنَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ التَّمْلِيكَ لَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَكَلْت طَعَامَك بِإِذْنِك فَأَنْكَرَ الْإِذْنَ يَضْمَنُ الْمُقِرُّ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ مُخَلَّصٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ.

وَقَدْ خَرَجَ هَذَا الْفَرْعُ وَنَحْوُهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ إنَّ الشَّيْخَيْنِ قَالَا بِقَبُولِ أَخْبَارِهِ عَنْ إقْرَارِهِ) أَيْ إخْبَارِ الْقَاضِي عَنْ إقْرَارِ الْخَصْمِ بِمَا لَا يَصِحُّ رُجُوعُ الْمُقِرِّ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْأَمْوَالِ وَالطَّلَاقِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ.

[قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِرَجُلٍ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْته إلَى زَيْدٍ قَضَيْت بِهِ عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْته ظُلْمًا]

(قَوْلُهُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ مُخْلَصٍ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ لِعَدَمِ جَرَيَانِهِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فِي أَخْذِ غَلَّةِ الْعَبْدِ وَقَطْعِ يَدِ الْأَمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>